Movie
Series
Books
Paintings
Anime
Interviews
Theater
Login
 
Contact Us
 
الكتابة خارج المعايير الأساسية
BY الرواي غاو لينغشيان
9.0
المقال
سيرة ذاتية
Share
×
Article
الكتابة خارج المعايير الأساسية ضحى عبدالرؤوف المل قراءة في رواية "جبل الروح" للروائي غاو لينغشيان. يتعمق جاو لينغشيان في الذات الإنسانية، وفي تشابه الأمكنة والأزمنة التي تروي الروايات المتشابهة للحاضر والمستقبل، لحياة من شأنها أن تتكرر وتتطور، وفي كل مرة نعيد البحث عن الذات في تفاصيل كلاسيكية، واقعية، خيالية، أو حتى سريالية، فهو يؤسس الرواية من الأفكار التي تنبعث من قراءات متعددة ، يصقلها التاريخ والأسطورة والـأحداث، وهي مبنية على تكرار الحدث الزمني، والتشابه غير المرئي بين الفصول، مما يترك للقارئ قدرة على لمس التحولات بين الفصول الشبيهة بالمشاهد المسرحية، أو اللوحات المختلفة، والمتنوعة بتنوع المدارس في الفن التشكيلي، لكنه صب المزيج الروائي في سرديات موضوعية ذات تناقضات حكائية ، لكنها محبوكة في عوالم ذاتية منسوجة بحكمة صينية تعكس ملامح الواقع، والزخم المشهدي المرسوم بريشة بلاغية تطرح رؤاها بتوازن انطباعي معاصر يضيء جمالية الصورة الروائية، وانعكاساتها على المخيلة "هناك حيث تتشابك القمم في كنف الضباب والغيوم" . واحد وثمانون فصلا، أو إحدى وثمانون شيفرة يفكها القارئ تبعا لثقافته، وللتغيرات الفكرية المتفاعلة مع المفارقات التي فرضها مضمونا، وتجسدت بأسلوب تخيلي لم يخل من معالجات اجتماعية مثقلة بهموم الذات، وبالمخاوف النابعة من مفارقات تعتبر "حقيقة السلوك البشري" هي الأبرز كسلوكيات الرجل والمرأة في كل المراحل الروائية التي تدرجنا بها من الحدث وصولا للذروة، والاندفاع الحيوي للتضاد، كالأمل واليأس، والموت، والحياة الإنسانية بشكل عام، وما تحمله من تضاد في المفاهيم عامة " أما الإنسان فهو قادر، إذا حبى بنعمة الذكاء طبعا، على اختراع كل شيء، بدءا من النميمة وصولا إلى طفل الأنبوب، لكنه في الوقت نفسه يبيد كل يوم نوعين أو ثلاثة من الأنواع الحية في هذا العالم، تلك هي الخدعة البشرية" فهل يلقي الضوء غاو لينغشيان على علاقات الإنسان مع ذاته والآخرين؟ هواجس ، ومخاوف، وأفكار تبتعد وتقترب من البداية والنهاية ، بحيث كلما أنهيت قراءة فصل بدأت من نهاية أخرى، فالموازين الروائية مرتبطة بالفصول وحكائيتها، وقصصها ومفاهيمها الدلالية المتصارعة مع ذاتها، والمعلقة بخيط روائي غير مرئي متحرك بسلاسة حداثية تستهدف خلق محاكاة نفسية بين " هو ، وهو، وأنا" وكأن الهو والأنا معادلة للعبة ضمائر ما هي إلا لعبة جوهرية لحقيقة الحياة " فالحقيقة لا توجد إلا في التجربة، وليس التجربة بالمطلق بل في تجربة كل منا، حتى لو وجدت في تجربة كل منا فإنها تستحيل حكاية" يصطدم القارئ بالواقع، كما يصطدم بالسريالية في مشاهد تبهر القارئ، كما أبهرت الروائي نفسه "وبهر إذ رأى الراهبة ذات الرأس الحليق غارقة في الدم ، لكن يديها لم تتوقفا عن الحراك لإخراج أحشائها ووضعها في الطست" وبعد هذه الصورة السريالية يتركنا في دهشة نعيد بعدها ترتيب الأحداث، والصورة النابعة من تسلسل التاريخ الطاغي، وما يحمله أيضا من إثارات" يعود تاريخها إلى أكثر من أربعة آلاف سنة" فيمارس بذلك غاو لينغشيان لعبة واقعية تطغى على التخييل، والتأويلات الأدبية المقرونة بلذة روائية يستهدف من خلالها جعل القارئ هو المسافر الأمثل في رواية تحمل من المشاهد الحياتية ما يجعلها شديدة الوصف، والسرد بشكل فانتازي وميثولوجي أحيانا. تقاطعات أدبية في المفاهيم والمضمون والأسلوب، ولدت من الصور المرسومة والمتداخلة مع المعنى، كما إن حديث الذات هو اتصال وانفصال يجمع بينهما حوارات حسية ، تحتشد فيها تكوينات لغوية تحمل صفة هلامية، لشخصيات تبدو مألوفة في سفرها الداخلي والخارجي، وفي تساؤلاتها التي تعتمد على مفردات تشكك في حقيقة الهدف الذي دفعه للبحث عن جبل الروح حيث" إن المفاهيم البشرية الأولى ولدت من الصور، ثم امتزجت بالأصوات، لتظهر أخيرا اللغة والمعنى" وفي هذا خلق جذب ذهني ليضعنا فكريا أمام صفاء تام، لنستنتج المغزى الموضوعي لجبل الذات، أو جبل الروح أو جبل الحياة " إن الشيء الذي يشدك إلى القصة هي القصة بحد ذاتها في صفائها التام. وعي أدبي يفصح عنه ببلاغة دقيقة، وإيجاز جزئي اكتفى من خلاله بمناجاة وسفر روحي، وإلى تحويل تجربته " تختصر مسرات الحياة ونوائبها " وكـأنه الغارق في تخيلات يمنحها صفة واقعية، وفاعلية جعلت " العمل والطموح توأمين لا ينفصلان، لأن الفن مقارنة مع الطبيعة باهت وناقص" والحقيقة الفطرية النابعة من صميم الذات هي الرواية التي تتمتع بالعناصر الأقوى، والمشاعر العميقة " فالرواية ليست الرسم، إنها فن الكلام" وهذه بحد ذاتها دعائم بنيوية قدمها غاو لبنغشيان ليضعنا ضمن عالمه الروائي الخاص، والتجريب الخيالي لروائي مبدع بالسليقة الفطرية في رواية الأخبار، فهو هنا يمنح القارئ المعايير الأساسية لكتابة الرواية، بما أنه ينفيها فعليا في قوله: " الكتابة خارج المعايير الأساسية" وهذا ما جعله يضع نفسه أمام تأليف ذاتي، لفصول بلغت مبلغها من وصف، وسرد، وحركة مرئية تخيلية، وحدث محبوك بسلسلة امتدت من الفصل الأول حتى النهاية حيث البداية، وهي كتابة رواية يبدأ بها القارئ حين يسترجع مع غاو ذكريات الطفولة من خلال الاستحضار" تسعى دوما إلى استحضار طفولتك، تشعر دائما بالرغبة في استعادة البيت والباحة والشارع، كل الأمكنة التي عشت فيها، وأودعت فيها ذكرياتك." ربما هنا سعى في إيجاد تفسير مقنع، لاسترساله في رحلة البحث عن " جبل الروح " المرتبط بميثولوجيات وأساطير صينية مع التنبه لصعوبة بلوغ الحلم الذي تنشده الفتيات في عمر مبكر، كحلم فارس الأحلام" كوني على يقين أنه في الحياة لا وجود لفارس الأحلام، وإلا فسوف تكون حياتك سلسلة من الخيبات المتتالية ، وهنا تيقظ فكري حاد يحاول من خلاله تنبيه المرأة، لشدة تأثير الحكايا والأساطير التي تجعل من فارس الأحلام غاية تحاول كل فتاة الوصول إليها، وحين تصل تصطدم بواقعية الحياة، فالمرأة في رواية "جبل الروح" هي الروح المقيدة التي تنقاد حتى لرغبة مغتصبيها، وكأنه يجعلها الذات الوطنية التي مرت بمراحل متعددة من الاغتصابات والانتهاكات، وحتى التلوثات الثقافية مع المحافظة على ترك شخوصه غامضة نوعا ما كالراهبة " فاستعمال مقاربات عدة للوصف لا يعفي من رسم بورتريه للشخصيات أنفسهم، حتى لو كنت تعتبر أن هذه الضمائر شخصيات، فإن كتابك لا يحتوي أية شخصية واضحة." ترتبك المفاهيم الذاتية داخل الروح الروائية في محاولة لإعادة الوعي المتيقظ داخل الأنا، ليولد الهو مع حياة واضحة لا تستجيب لأية غاية مع فارق حسي، وهو التشابه بين الرواية والحياة، والانطلاق في سفر روحي لأنك " تنطلق في سفرك الروحي بالذات، تتسكع في أرجاء العالم كله معه، مقتفيا أفكارك، وكلما ابتعدت اقتربت، لدرجة يصبح معها فصلنا كالأمر المحتوم مستحيلا. عليك إذا بالتراجع خطوة، وهذه المسافة تخلق، وهو طيف عندما تتركني وتنأى."فهل غاو لينغشيان يبحث عن جوهر الروح؟ أم أن جوهر الحياة استحال رواية فعلية تستند إلى وقائع وشخصيات حقيقية مع ما يتطلب الأمر من خيال." Doha El Mol
×
الرواي غاو لينغشيان
تُصنف رواية جبل الروح على أنها من الروايات الطويلة في الأدب الصيني المعاصر، فقد خطها بريشته الكاتب الفرنسي جاوزينج جيان، وحصلت هذه الرواية على جائزة نوبل للآداب عام 2000، ابعتد فيها الكاتب عن واقعه المجتمعي بسبب التشخيص الخاطئ له عل أنه مريض بسرطان الرئة، فادى به ذلك للذهاب في جولة حول نهر تشانغ جيانغ، وقر أن يكتب عنها، بطل الرواية أشبه بكونه يبحث عن جبل الروح. تصف الرواية شخص يبحث عن الحرية بداخله. اشارت التقارير الإخبارية ل الأكاديمية السويدية قائلة:«أن الرواية عبارة عن تحفة أدبية نادرة لا مثيل لها، بالإضافة لكونها رواية وأعرب ليو قائلاً:» أنها عبرت عن الجانب غير المعرف في الثقافة الصينية. تعريف بالعمل الأدبي يرتكز جزء من الرواية على وصف الذات البشرية، ويرتكز جزء آخر على كل ما يراه ويسمعه الإنسان، حيث يتجه للبحث عن جبل الروح المثالي الذي طالما تمناه، ويُقابل في طريقه قصة فتاة ما. تتكون الرواية من واحد وثمانين فصلاً، كل فصل يحكي عن صراع الأشخاص مع بعضها، وتتميز بتكاملهاو ترابطها مع بعضها. تنقسم القصة لعدة أنواع رئيسية: " كل ما يسمع ويرى المرء، الأساطير المتداولة بين الناس، الأشعار الشعبية وقصص السحر وغيرها. تتميز الرواية بالعديد من الجمل المميزة مثل: إن التاريخَ يمكن أن يُقرء على أنحاءٍ متعددةٍ، فيمكن اعبتاره لغز حيناً وهزي و هراءٌ حيناً أخرى، ناهيك عن إمكانية اعتباره مثل العدو الذي يطرق الأبواب، آه التاريخ آه التاريخ آه التاريخ آه التاريخ..! شرح شخوص الرواية كل ما هو موجود في جبل الروح من شخوص، وتتمثل في أنا، أنت، هي، وما يدور بيننا من تفاعلات، هو أساس البناء الشعوري واللغوي لهذه الرواية. وشخصية الفتاة في الرواية تُجسد صعوبات التواصل بين الأجناس المختلفة، وكلاٌ لديه خبرات حياتية مختلفة. بعبارة أخرى، هذه الرواية لا تُعد فقط من الروايات الطويلة التي تعكس المونولوج الداخلي، بل أنها أيضاً تصف التغير الدائم في شخصية الإنسان، فشخصية الإنسان في تغير دائم. يريد الكاتب أن يُعرفها على أنها فيض لغوي. أما الشخصية الثانية هي أنا، وهي مثلك أنت تماماً، أنت هو أسمى لقب لي. كلها تعبيرات موضوعية استعان بها الكاتب للتعبير عن فكرته، أنا وأنت نتحد سوياً. أنا، أنت، هو أو حتى هي، كلها تعبيرات للتغيرات النفسية المعقدة على مستويات مختلفة. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D8%A8%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%AD سيرة ذاتية للرواية مصدرها ويكيبيديا
لحظة شعرية
BY الشاعر شوقي بزيع
8.0
المقال
سيرة ذاتية
Share
×
Article
لحظة شعرية تعتمد على حضور الحس الفني ضحى عبدالرؤوف المل قراءة في ديوان " فراشات لابتسامة بوذا" للشاعر شوقي بزيع .. يتوج الشاعر شوقي بزيع في ديوانه" فراشات لابتسامة بوذا" الصادر عن دار الآدب عمق العاطفة بعقلانية أنجبتها فلسفة بوذا القادرة على منح الصورة الحياتية اتزانها، ولا سيما في بلاغة شاعر متيقظ يتأمل غموض التعابير التي تنسكب من لحظة شعرية تعتمد على حضور الحس الفني، وتجليات المجاز المضاف إلى معنى ملموس مادي في جسد القصيدة مثل " مرايا المجاز المضاف إلى الجسد الأنثوي" إذ يحيلنا الشاعر في هذه القصيدة إلى حوار ذاتي يتميز بانعكاسات للحظة عشق أبدية شبيهة بعشق القصيدة المكتوبة التي تحيا على الأوراق في برزخ الحياة بانتظار قيامة بلاغية تشق عنها أكفان اللغة، وبلاغة المعنى، لنكتشف في كل قراءة لديوان" فراشات لابتسامة بوذا" معنى متجددا مع الأبعاد التي وضعها ضمن المشهد البانورامي الذي لا ينقصه إلا اكتمال القصيدة بكامل بهائها الشعري" لم يكن ينقص المشهد البانورامي ذاك سوى طيف تلك الفتاة." أسبغ شوقي بزيع على ديوانه صفة الحرف المتيقظ أو بوذية المعنى الفلسفي داخل الحرف المنسوج في كلمة كالفراشة الملونة، تتلون تبعا لعمرها الزمني، لأن فراشات بوذا هي محصلة مقاربات سردية حكائية لملامح لغة شفيفة ذات ألوان أدبية تختلف فيها الصور المتخيلة بمختلف الجوانب الفنية التي تعتمد على انسكاب المطر الشعري في لحظات فجائية تنهمر فيها الرؤى" هناك حيث الثرى ينشق " فالتجاوز والتحاور الذاتي في أكثر القصائد يمنح جمالية خاصة تتسرب إلى عمق المتلقي، فيحاور نفسه أو يتقمص المعنى بلا وعي، متخذا من الشك ممحاة ، لتنحني اللغة بطواعية ومرونة يؤلفها بتدرج متنام من البداية إلى البداية وفق استدارة تعيد القارئ من النهاية إلى البداية ، وهذه الحركة النامية في الديوان هي بمثابة قوله: " كنت من نفسي أؤلفها" وأيضا " فوق عقم السؤال؟ لأنه يحاول أن يجعل من ديوانه معجزة شعرية تصيب القارئ بعقم جواب لا سؤال له، لأنه اعتمد على العصف الذهني ذي الدلالات اليقينية، لتتولد الصور التخيلية تبعا للقارئ. تستأثر النهايات بعناصر المراوغة الفنية المحفزة لإعادة قراءة القصيدة بدءا من النهاية التي من شأنها بث إيحاءات غير متوقعة، تثير دهشة الحواس، ليحقق البناء الصياغي المتماسك موضوعيا، وحدة الإيقاع وتنوعات النغمة، وكأنه يتلاعب بموسيقا المعنى وضربة الحرف الواثق من نفسه، كالتاء والسين في قصيدة توزعت فيها النقاط على الحروف، لتتبادل الأدوار مع أضدادها، ثم يقول بمأساوية بعدها: " محوتها لأضلل المعنى، وسميت البراعم أخوتي" لتأتي النهاية بداية فصلية لشتاء لم يأت بعد، وتتحضر له القصيدة خوفا من شتاء سينعكس ببرودته وحرارة ثلوجه عليها "ولربما مرَّ الشتاء ولم يجدني" إن التتابع السردي المختزل مع الشعري المجزوء إلى نغمات إيقاعية ينتج عنها ترادف وتماثل في لحن كلمة " تلك" " تلك المياه المستردة من عوالم لا تفارقنا مغائرها/ تلك المياه المستقاة من الذؤابات الندية للتشهي /تلك المياه المستعادة من سماوات مزينة بآلاف النجوم/ تلك المياه الأم سوف تواكب الأحلام في جريانها عبر العصور" وكأن" ترنيمة الماء" هي مزيج من تجانس وتضاد، وتلاحم ينبعث منه نغمات موسيقية ذات إيقاع بديعي تتصدر الطبيعة عذوبته، كما يتصدر عمق المعنى الصور الفنية التي يربطها شكلا ومضمونا بالدلالات اللفظية، وبعيدا عن التكلف، مما يولد تفاعلات وجدانية مع القارئ الذي سيحلم دون جدوى بالرجوع إلى الوراء، ليعيد قراءة الديوان محتفظا بالصدى الشعري والأحاسيس العميقة المتفاوتة في تأثرها من "استعارات ملائمة" نتجت عن تآزر فني متماسك، وتكوين بنائي ترتقي فيه المعاني إلى الأعلى، كنسر يحاول تجنب السقوط، ليؤلف ديوانه من خلال كلمة "مصبها الأبدي" على ورق في ديوان تتجسد فيه الفراشات كفكر مستنير حاضر ذهنيا في كل صورة خيالية وذهنية وشعورية، يحكمها الجمال الفني المرتبط نفسيا بحالة الشاعر، والروح العالقة في جسد كل معنى أراد له الخلود. يقول الشاعر:" إن القصيدة قائمة على تعذر قيام القصيدة" إن لحظة البدء التي اغتالت الشاعر، وتركته يتبادل الأدوار مع الأضداد قبل أن يولد الديوان مبتسما، أو مستنيرا بمحو الشك مستعينا بالحركة المتمثلة بالماء التي ترتجل مصبها الأبدي، وبالقطارين في" نظرات يائسة " حيث الإيحاء التصويري للمشهد الدرامي يشد المخيلة، لمتابعة كل حركة تتسرب إلى الوجدان بروحانية الشعر المخصب، المنصهر ببلاغة ينبجس عنها معادلات مبنية على الأنا والقصيدة والطبيعة ، ودائما هذه الثلاثية هي ميزة الشاعر المولع بتشبيه يحذف منه الأداة تاركا " تنوصان" تؤدي دورها في الاندماج مع الحواس كلها وصولا للروح ، لبث الإيحاء المتكامل مع التأثير غير المباشر على القارئ، وحالته الانفعالية التي تتشكل مع الكلمات الزاخرة بتشبيهات تعبيرية " كمعزوفة حاكها بخيوط الصبابة /نول العروق الخفي/ وظلت تكرر أنغامها الغفل /خلف حقول الزمان." إن الصور التخيلية في كل قصيدة أضاء فيها استنارته الشعرية هي لوحة تصويرية درامية ذات تعبيرات أتقن حبكها بإيجاز حكائي ذي أبعاد مختلفة شعريا، أحاطت بالديوان ومعانيه، ومنحته بلاغة عميقة الدلالات كشفت عن مكنون مشحون بالجمال. يتماهى شوقي بزيع مع الأضداد بتمازج المعاني، تاركا التعبير الافتتاحي معلقا أو مقيدا بحرف جر في أكثر القصائد التي يتألف منها الديوان المشبع بشمولية الوجوه الفنية المتعددة من ملامح سرد حكائي إلى مجاز مضاف، ومحذوف، وتصوير مشهدي يتميز بدرامية الفعل المؤثر على مناخات التراكيب التي يصعب فك ألغازها، ليترك ديوانه مفتوحا على تأويلات نقدية متعدة، ولندرك بؤرة التفاعل الثلاثي النشط بين القارئ والشاعر والكلمة ، فيخفي نسيج النص الشعري بافتراضات غامضة لا تفصح عن مدلولاتها إلا بالترميز الشكلي الذي يأتي كومضة فجائية تتواءم مع القارئ والشاعر على حد سواء، فنشعر أن القصيدة تولد ولا تموت في كل مرة تتم قراءتها "وحده الإنسان ظل واقفا، واتخذت مقابض الأبواب شكل: لا" ليؤكد بذلك أهمية البنية الجمالية للقصيدة الفجائية التي لا تفصح عن ذاتها أو أبعادها، لأنها تتشكل كالفراشات من شرنقة ملفوفة بغموضها التكويني إلى فراشة تحاول فك لغز الوجود مع تيقظ الوعي، واشتعال العاطفة ونفحة الوجدان العابق بانصهارات تستثير الحواس الفني المصقول" بهدوء التماثيل يجلس، فيما الزمان ينام على ركبتيه كطفل صغير، وتلهو الفراشات نشوانة، عند مرمى ابتسامته الخالدة." نبرة فلسفية يتحدى بها موت الطفل فيه، مستخدما أداة الجزم المرتبطة بسكون رمزي يعيده إلى العدم المثير، لنشوة الوجود التي يفتقدها، فبعض المؤشرات البلاغية هي نفسها مؤشرات تتطور حتى تصل إلى الذروة " فوق الأكف؟ كأننا ظلان للكدر الذي يعرو جبينك، أين أنت الآن؟ هل تفكر بي وأنت مطوق وسط الزحام بغابة الأيدي الظليلة" فالحامل والمحمول يتناقض مع الأنا الوجودي، والنفي لموت أبدي، فهل يولد الطفل عند موت الأب؟ أم أن اللغة هي الشريان النابض لقصيدة لا تنوء بمن يقرؤها؟ ربما نشعر بقيمة الحياة، واحتساب الوقت الحركي لعقارب ساعات الزمن حين نعجز عن النهوض، ونشعر بثقل المعنى المؤثر على انفعالات القارئ في هذه القصيدة ذات الدلالات والتشكيلات الأسلوبية المتنوعة والمختلفة من حيث التكوينات الجازمة، الظاهرة السيميائية المؤثرة نفسيا، والنابعة من خصوصية ذاتية لها موضوعيتها اللغوية والبلاغية المشحونة بوجدانيات تترجم الوثبات المتعالية عن الجراح، وعن القبول والرفض الجميل مستخدما لا في " مرثيتان لأبي" فإذا انتهى إلى قبضة الإعصار لا ينتهي العطر" وبين ينتهي ولا ينتهي نقلة للعلا بصفة نسر ينهد " كلتا جناحيه ولو سقط النسر" ليبدأ الديوان من حركة سقوط إلى " تحت الحياة تماما، ثمة أودية مجهولة" وفي الاستدارة نقطة شعرية ضوئية لا تنتهي في المعنى المرسوم ضمن ابتسامة لرجل متيقظ كبوذا يبحث عن استنارة أخرى لقصيدة " ألفت القصيدة نفسها " أو أن " تتبادل الأدوار مع الأضداد" . Doha EL Mol
×
الشاعر شوقي بزيع
شوقي بزيع (بالإنجليزية: Chawki Bazih) شاعر لبناني معاصر ولد في الجنوب اللبناني، في العام 1951. لديه عشرات المؤلفات في الشعر والنثر، فضلا عن مقالاته النقدية والأدبية والثقافية والفكرية. حاز جائزة شاعر عكاظ في العام 2010، وجائزة العويس الثقافية في العام 2015. كما حاز وسام جنبلاط في العام 2010، ووسام فلسطين في العام 2017 ، وجائزة «الشرف الخاصة» ضمن جائزة محمود درويش للثقافة والإبداع في 13 آذار (مارس) 2020. بدايات ولد شوقي بزيع في 20 كانون الثاني 1951م في بلدة زبقين من قضاء صور. أكمل دراسته الابتدائية في مدرسة القرية المجانية التابعة لـ«جمعية المقاصد الخيرية» وكانت تدرِّس الإنكليزية، وحاز المرحلتين الابتدائية والمتوسطة والثانوية في صور. في أوائل 1968 علَّم شهرين في مدرسة علما الشعب الحدودية، ثم توجه إلى كلية التربية في الجامعة اللبنانية، وحصل على شهادة الكفاءة في اللغة العربية وآدابها في العام 1973، عن دراسة نقدية بعنوان: شعر المقاومة الفلسطينية في النقد العربي المعاصر، ونالت رتبة الشرف الأولى. وكان في السنة الثالثة في كلية التربية (1970)، قد حصل على الجائزة الأولى في الشعر. وعن هذه الفترة يقول: "في هذه السنوات الخمس بين عامي 1968 و1973، كانت بيروت تشهد عصرها الذهبي، ولبنان يغلي ويموج بالحياة، بإرادة العيش والبحث عن وطن أفضل بعيد عن الطائفية والمذهبية والإقطاع وما سوى ذلك، تحت سقف الماركسية. كنا نبحث عن الوطن البديل، ولم نكن نعلم ونحن نخرج إلى التظاهرات بمئات الآلاف أننا نؤسس للحرب الأهلية التي كانت مقبلة. حين نزلت من القرية، أحسستُ بأنني أعرّض نفسي لليباس والتلف تماماً كما تقتلع الشجرة من مكانها». يضيف: "أحببت بيروت كثيراً، ألفتها، وأحسست بأنها الملاذ بعدما كانت قلعة الإسمنت الصماء. لكن جذر الكتابة وينبوعها بالنسبة إليّ هو الريف». عمله ونشاطه الثقافي انتسب شوقي بزيع إلى منظمة العمل الشيوعي بين عامي 1968 و1972، وغادرها لأسباب يقول إنّها «إبداعية، نتيجة البعد الشوفيني الستاليني عند بعض المنظمات الماركسية، والأحزاب. كان نموذجهم في الشعر أحمد فؤاد نجم ولا يرون سواه. كنت متأثراً بشعر الحداثة بأدونيس وبدر شاكر السياب وخليل حاوي ونزار قباني... وكانوا يهزأون بما أكتب، ويريدون مني شعارات فقط. طبعاً أنا كنت أكتب شعارات خلال التظاهرات مثل الشعار الشهير: يا حرية». عمل بزيع بالتدريس في ثانوية صور حتى 1982، وثانوية المصيطبة في بيروت حتى 1988, ثم التحق بوزارة الإعلام 1988. عمل في الصحافة الثقافية، ورأس القسم الثقافي في جريدة السفير 1992. أعد برامج إذاعية متنوعة في عدد من الإذاعات اللبنانية الرسمية والخاصة كإذاعة صوت لبنان العربي التي واكب عبرها الأجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 وساهم بقصائده في التحفيز على الصمود ابان الحصار الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية بيروت طيلة ما يقارب 3 أشهر. وأعلن مؤخرًا موقفه المؤيد لثورة 17 تشرين في لبنان ، وفي ذلك يقول: «في ساحة الشهداء/ حيث اللبنانيون ينتفضون لكرامتهم، ويخوضون، بعد تسعة عشر عاماً من تحرير الأرض، معركتهم الأقسى والأهم من أجل تحرير الإنسان من المهانة والعوز، وكسر الحلقة الجائرة لنظام الملل المذهبية المتحدة، وحيث يتولون بأنفسهم كتابة القصيدة الأجمل التي عجز الشعراء عن كتابتها». كما أعد برامج تلفزيونية ثقافية في تلفزيون لبنان الرسمي. وله مساهمات في العديد من الصحف والمجلات، أبرزها: السفير، والنهار، ومجلة الآداب اللبنانية، والراية القطرية، والاتحاد الظبيانية، وعكاظ السعودية. شعره بدأ بزيع ينشر قصائده في أوائل السبعينيات من القرن العشرين، في مجلة «مواقف» مع مجموعة «شعراء الجنوب». صدرت باكورته «عناوين سريعة لوطن مقتول» في العام 1978، وقد افتتح أولى قصائده المنشورة فيه بالموت: «أفتتح الآن موتي وأدخل في موسم النار» وقد كتب الشعر بالعامية والفصحى، ولكنه برع أكثر بالفصحى. كما امتازت قصائده بتوظيف التراث الإسلامي والمسيحي بنفحة من التصوف، وامتزجت في شعره المعاني الشفيفة والغنائية العذبة والشاعرية والعشق. شارك بالعديد من المهرجانات الشعرية في جرش وقرطاج واللاذقية وفرنسا ومصر وغيرها. في حوار معه، يقول: حذفت معظم بواكيري الشعرية. بدأت بالكتابة عام 1971 عندما كنت طالباً في الجامعة اللبنانية، وكنت أكتب قصيدة الشطرين متتلمذاً على يد مجموعة من النقاد والشعراء الكبار أمثال أدونيس ويمنى العيد وخليل حاوي، لكن معظم الكتابات الأولى حذفتها من مجموعتي "عناوين أولى لوطن مقتول"، وظلّت تجربتي تتراوح بين حدّي الكتابة عن مسقط الرأس والمقاومة والوطن وبين الكتابة عن المرأة". ويوضح أن قصيدته كانت «تتغذّى من مكان له علاقة بالقضايا الكبرى. لكن شعرت فجأة أنني أمام مفترق طرق، وفعلاً صمتُّ لخمس سنوات كاملة بين العامين 1985 و1990 وعندما عدت إلى الكتابة كتبت قصيدة مفصلية بالنسبة لي هي»مرثية الغبار «صدرت فيما بعد مع قصائد أخرى في ديوان مستقل حصل لاحقاً على جائزة عكاظ للشعر العربي». كذلك شكّلت بعض مجموعاته الأخرى، محطات أساسية في شعره مثل: «قمصان يوسف» و«سراب المثنى».كتبت عدة درسات وأبحاث وأعمال أكاديمية في شعره، وكُرّم في غير مكان، وترجمت قصائدة إلى لغات عدة من بينها: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والفارسية. كذلك تحولت بعض قصائده إلى أغنيات. شعراء الجنوب يقول شوقي بزيع عن تجربة «شعراء الجنوب»: «لا ظهير للشاعر سوى نصه. وهو الذي سيبقى وهو الذي سيواجه به الزمن لاحقاً. لقد أسهمت تجربة الشاعر الصديق حبيب صادق في تسمية «شعراء الجنوب» من خلال»المجلس الثقافي للبنان الجنوبي «، إذ أطلق» مهرجان الشعر الجنوبي«منذ أوائل السبعينيات في بعض المدن الجنوبية مثل النبطية وصور، وفي بعض الأحيان في بيروت. قد يكون هذا ما أسهم في بلورة التسمية، لكنّها تسمية لم تدم طويلاً. ما يبقى في النهاية هو الشاعر، لذلك ترى الآن أن كلّ شاعر جنوبي تميز وتفرد وأخذ خطاً مستقلاً». جائزة درويش حاز شوقي بزيع العديد من الجوائز والأوسمة، ومنها مؤخرًا، «جائزة الشرف الخاصة» التي تمنحها مؤسسة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وفي تفاصيل الخبر أن المؤسسة منحت جائزتها للثقافة والإبداع لعام 2020 للمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي والشاعر والمترجم المغربي عبداللطيف اللعبي والشاعر والباحث الفلسطيني زكريا محمد. بينما منح المجلس التنفيذي للمؤسسة جائزة الشرف الخاصة للشاعر اللبناني شوقي بزيع. وتمنح المؤسسة الجائزة في ذكرى ميلاد درويش في الثالث عشر من شهر آذار (مارس)، وهو يوم الثقافة الوطني. وجاء في بيان لجنة التحكيم أنها منحت «جائزة الشرف الخاصة للشاعر اللبناني شوقي بزيع الذي تُقدم تجربته نموذجاً إبداعياً يتمتع بالفرادة والعمق، يتواءم فيها البناء الغنائي المحكم المعتمد على بنية إيقاعية صافية والتركيب الحداثي للصورة والمشهديات المنفتحة على قضايا الراهن المَعيش، ولما تمثله هذه التجربة من انحيازٍ شجاعٍ لهموم شعبه في لبنان وتطلعاته، وما عبرت عنه من التزامٍ عميقٍ بنضال الشعب الفلسطيني كقيمةٍ وطنيةٍ وإنسانيةٍ وأخلاقية». بدوره علق بزيع عبر حسابه على «فايسبوك» على الجائزة التي منحت له بالقول: «جائزة محمود درويش للثقافة والابداع (رتبة الشرف الخاصة)، هي القلادة الأرفع التي زيّنت بها فلسطين صدريَ المثقل بأحمال الشعر وعذاباته». قيل فيه كتبت الناقدة زهيدة درويش جبور في المجلّد الأول من أعمال شوقي بزيع الشعرية: «لو أردنا أن نصف تجربة شوقي بزيع الإبداعية بكلمة واحدة، لما وجدنا أفضل من النهر، فحركته متجدّدة دائمة وماؤه واحد لا يتغير». مؤلفاته نشر أعماله الشعرية الكاملة في جزئين عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت في العام 2005، ومن دواوينه: عناوين سريعة لوطن مقتول 1978 الرحيل إلى شمس يثرب 1981 أغنيات حب على نهر الليطاني 1985 وردة الندم 1990 مرثية الغبار 1992 كأني غريبك بين النساء 1994 قمصان يوسف 1996 شهوات مبكرة 1998 فراديس الوحشة 1999 جبل الباروك 2002 سراب المثنى 2003 وردة الندم 2005 ملكوت العزلة 2006 صراخ الأشجار 2007 لا شيء من كل هذا 2007 كل مجدي أنني حاولت 2007 فراشات لابتسامة بوذا 2013 إلى أين تأخذني أيها الشعر 2015 الحياة كما لم تحدث 2017 كتب النثر أبواب خلفية 2005 هجرة الكلمات 2008 بيروت في قصائد الشعراء 2010 مسارات الحداثة - قراءة في تجارب الشعراء المؤسسين 2021 وصلات خارجية شوقي بزيع: الشعر ريف العالم المنتَزع من مكانه شوقي بزيع لـ «الشرق الأوسط»: لو استطعت لحذفت ثلث نتاجي الشعري هذا الصباح - الشاعر اللبناني شوقي بزيع شوقي بزيع وسام على صدر العرب – فن الخبر تجربة شوقي بزيع الشعرية، دراسة في اتجاهاتها الموضوعيَّة والفنيَّة. السيرة الذاتية مصدرها موقع ويكيبيديا https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B4%D9%88%D9%82%D9%8A_%D8%A8%D8%B2%D9%8A%D8%B9
إنني منارة بيضاء في وسط بحر الإنسانية.
BY الروائي كنوت هامسون
9.0
المقال
سيرة ذاتية
Share
×
Article
إنني منارة بيضاء في وسط بحر الإنسانية. ضحى عبدالرؤوف المل قراءة في رواية " الجوع" للروائي كنوت هامسون. نتخوف من الجوع ، ونهاب النقص في الأموال والأنفس، ولا نفكر بالجوع الفكري الذي نعاني منه أدبيا في كل المجالات الفكرية التي فتح أبوابها الروائي كنوت هامسون في روايته "الجوع" الصادرة عن دار المدى، و ترجمها إلى العربية محمود حسني العرابي، تحمل من المفاهيم الحياتية ما يعني" ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" بدأ الرواية بتحديد المكان وهو تلك "المدينة التي لا يغادرها أحد قبل أن تسمه بسماتها وتترك عليه آثارها." ليضع الزمن ضمن بيئة عاش فيها، ومن ثم أبحر إلى جوع من نوع آخر . ينحصر أسلوب الرواية في نقطتين: الأولى متحركة، والأخرى ثابتة، فنقطة الضوء الأولى أسقطها على صحفي يكتب بالقطعة حيث تبدأ رحلة الجوع للكتابة عند رفض كل مقال، ليبدأ الآخر، وخلال ذلك نستمع لرواية تحمل في طياتها مجموعة قصص متخيلة، لكل منها مغزى من قصة البوق، كوبوءا ، كيرولوف، يلايالي، حريق في المكتبة، ومسرحية لم تكتمل علامة الصليب، وفي كل منها رحلة كاتب ينجح ويفشل "من كتابة قطعة مطولة بدون عناء، وأتممتها على أحسن ما يكون." مما أسهم في خلق لغة استفزازية أثارت القارئ، وتركته يتابع طانجن من البداية إلى النهاية، بمختلف مؤثراته البيئية والصحفية ، لنستنتج أن القصص التي يرويها بذاتية تتضور جوعا من كل النواحي، ما هي إلا تصورات اجتماعية لمجتمعات يعاني فيها الفكر المعاناة القاسية ، ليتشكل الوعي بلاوعي يوحي للكاتب بأحداث تمنحه البنية الفكرية، ليبدأ في كل مرة كتابة مقال، وبتحدبات ترتكز أساسياتها على الحدث الذي ينطلق من مرتكزات أدبية، تتموضع في داخل مخيلة قد تصاب بتشويش، ما يؤدي إلى فشل كتابي حيث يتوقف الإلهام، ليعود للبحث من جديد"وأصبت بفوضى جديدة في أفكاري من جراء هذه الجهود العقيمة، فشعرت بمخي وقد فارقني ،وأقفر رأسي وخف فوق كتفي، وبقيت بلا إدراك." كلمة واحدة يحيط بها الكثير من المعاني التي تلتف حولها هي" الجوع" فالإحاطة الفكرية لهذه الكلمة تأخذنا نحو الحاجة للطعام أو الغذاء المفيد، والمساعد في تهدئة الأعصاب، ليتم التفكير السليم، وبالتالي الكتابة بشكل جيد، وفي هذا معنى يشي بالحاجة إلى مجتمع يساعد في تكوين كل هذا، لكن الموازاة في الأسلوب المحبوك بفهم صحفي وروائي، وسيميائية تشير إلى سخرية الحياة التي تجعل من طانجن يقف أمام الرغيف كما يقف أمام رئيس التحرير، ليتأمل "سلة مهملات هائلة تكاد تتسع لابتلاع إنسان بأكمله، فانقبضت نفسي عند رؤية هذه البالوعة السحيقة ، فم الأفعوان هذا الفاغر على الدوام ، والمستعد أبدا لابتلاع الكتابات الجديدة المرفوضة، والآمال الجديدة المحطمة " في وسط بحر الإنسانية مشاهد مليئة بمجاعات مختلفة، من غرفة المنامة للمتشردين في السجن إلى يلايالي التي تمنعت عن منحه ليلة حب بعد أن عرفت أوضاعه الاجتماعية، إلى الجرائد التي ترفض المقالات أو تقبلها تبعا لميولها وقدراتها المالية، إلى حيث الظلم الاجتماعي الذي لا يتوارى عن ترك أطفال يعبثون برجل عجوز لا يستطيع الحراك، نرى مشاهد متعددة منها ما هو مأساوي، ومنها ما هو حديث نفس لا يؤتي ثماره" والواقع أن الإنسان لا يمكنه أن يكون مسؤولا عن خواطر مبهمة عابرة، ولا سيما إذا كان مصابا بدوار فظيع، وهو على وشك الهلاك يجر ملحفة تخص غيره." ثم ليشعر طانجن بعد ذلك بالعجز قبل أن يتأهب للفعل المناسب مع هذا الرجل، ولو كلفه هذا البقاء خارج الدار، والنوم في العراء، ومن ثم تتكرر المواقف الفجائية التي تثير دهشة القارئ، لأنها تأتي غير متوقعة، وكأن الأقدار تقف مع طانجن لتؤثر على جوعه، وحين يقع في المحظور أو الخطأ غير المقصود كان يحاول تصحيح ذلك، فيقع في خطأ أكبر، كالمال الذي أخطأ صاحب الدكان فيه، فأعطاه لطانجن، وبدوره أمسكه، ولم يصدق ذلك لكنه "مع كل خطوة ابتعدها كان يتضاعف سروري ، لانتصاري على هذه الفتنة الشديدة، فأفعم نفسي بشعور جليل أنني على خلق" فهل يحاول منح حامل القلم ، وكاتب الكلمة صفة الشرف والنزاهة التي تجعله يفتخر بصفته الأدبية أو المهنية، وهو في أسوأ الأوضاع المادية؟ أم أن للإنسان وقفة عز تجعله لا يقبل المهانة ، وهو الذي يضع الحجر في فمه لينسى الجوع" وجدت حجرا صغيرا فنظفته ودسسته في فمي، لكي أحس شيئا فوق لساني." إن المحاكاة الداخلية والحوارات المفتوحة على قناعات توالدت من المواقف السلبية التي يتعرض لها هذا الطانجن السيئ الحظ الذي يحمل في نفسه قوة وصبرا، وأناة تطيح به فجأة، مما يجعله كمهووس أصابه الجوع الاجتماعي بكل تفاصيله، واستاء من كل ما حوله، حتى الحب لم يوفق فيه، لكنه يحاول الوقوف بثبات عندما يتعرض لمواقف ربما يشعر أنه تنتقص من كرامته " فتقدمت خطوة إلى الأمام، وقلت في ثبات وثقة : "صحفي." أشكال أسلوبية متعددة موسومة بهواجس كاتب يبتدئ جمع الخيوط الروائية في فكرة معنى واحد، يشدها ويرخيها تبعا للحدث المتجدد في كل لحظة فجائية. نلمسها في الأشكال الأدبية التي جمعها في لحظات إدراكية عاشها، وتحسسها بحس روائي يبحث عن مقالة وصفية في أمكنة لا تثير المخيلة، بل تتسبب بوجع الضمير والتأنيب المستمر في قرارة نفسه" ففي العصور الوسطى لم يكن أحد يتكلم عن الضمير، وأول من اكتشف الضمير هو شكسبير معلم الرقص." وكأنه يتمنى في هذه الجملة نفي الضمير إلى خارج الوجود، ليرتاح في قرارة نفسه، ويتحرر من المساءلة النفسية لكل فعل يؤنب ضميره، إذ إن شفافية السرد الحكائي وفنية المجازات البلاغية مرتبطة بالتناقضات، والإحالات السيميائية التي تلعب دورا مهما في تشكيل مستوى الرؤية عند كل مشهد تخييلي ، يحمل انفعالات ذات أضداد غارفة بالتعبيرات والتواترات الخلاقة " فضحكت وبكيت، ورجعت أقفز في الطريق، ثم أقف وأضرب على ركبتي." عالم روائي يفرضه كنوت هامسون بقدرات كاتب مبدع وضع الحقائق وبسطها أمام القارئ، ليروي سيرة آلاف الكتاب وأصحاب القلم، وما يعانون من متاعب تؤدي بهم في أغلب الأحيان إلى اليأس والقنوط ، ومتابعة أعمال أخرى، وهذا ما حصل في النهاية حيث كان الإبحار المجازي هو كنايات متتابعة تؤدي للوصول إلى ذروة النهاية غير المتوقعة، وهي الخروج من المكان الذي بدأ منه الرواية، أي الابتعاد عن النقطة الأساسية في الرواية، وهي طانجن في تلك المدينة، ليخرج من اغتراب داخلي إلى اغتراب خارجي هو ضمن سياق العبور من قصة إلى قصة، ومن مقالة إلى مقالة ، ومن رواية إلى رواية أخرى . إن الجهد الروائي يتمثل بالصحفي البائس الذي يعاني من جوع مختلف في معانيه، لأن التوليفات النصية جاءت متمكنة من حيث البناء، والحبكة، والأحداث المتتالية التي لم تتوقف منذ البداية حتى النهاية، وكأنه يمسك القارئ بخيوط درامية متينة في الأداء النفسي، والمأساوي الذي أتقنه طانجن، كشخصية محورية مأزومة اجتماعيا، تعاني من صراع مع النفس اللوامة التي تثيرنا أشجانها، وحواراتها المبكية والمضحكة، مما يجعل من أحداث الرواية تتجدد عند كل تزامن يفضي إلى تشظيات، منحت المشاهد بانورامية ترزح تحت تناقضات الشخصية، وتذبذبها العجائبي" وإذا أنا فكرت في الأمر حد التفكير فإن هذه النقود قد كلفتني في الواقع هما عظيما" إن العامود الفقري لرواية الجوع هو طانجن، لأن الفكرة انطلقت مع هذا الصحفي الذي يروي كل تفاصيل تواجده في هذه المدينة التي لن ينساها، أو هذا الفضاء الروائي الذي استمتعنا فيه تقنيا وفنيا ، مع شخوصه الواقعيين والمتخلين " وكيرولوف هذا تاجر الأصواف الذي طالما كان يتراءى في خيالي، هذا المخلوق الذي خلت أنه موجود، وأنه لا بد لي أن أراه، تقلص عن مخيلتي ، ومحته التصورات الكثيرة الأخرى." تناسب سلس بين العناصر الروائية، وبين طانجن والمحاكاة الروائية القائمة على التوازي الروائي بين الذاتية والواقعية، وموضوعية طانجن الخيالية التي يطرح من خلالها الهموم الصحفية، والاجتماعية باختلاف عناوينها،وبالتوازي مع شخوصه التي سعى إلى محاكاتها دراميا بديناميكية أيديولوجية، وسيوسيولوجية تتضمن هموم الصحفي في المجتمعات الغافلة عن الفكر المهمل من أي تقديمات تساعده على التفرغ الكتابي. Doha El Mol
×
الروائي كنوت هامسون
كنوت همسون (4 أغسطس 1859 - 19 فبراير 1952) كاتب نرويجي في القرن العشرين. ولا تزال روايته الجوع تعتبر من الروائع الأدبية في القرن المذكور. ينتمي كنوت همسون الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1920، إلى عائلة ريفية فقيرة، وقد عاش طفولة قاسية في رعاية عمه الذي كان ينتمي إلى الحركة التقوية (حركة دينية نشأت في ألمانيا في القرن السابع عشر واكدت على دراسة الكتاب المقدس وعلى الخبرة الدينية الشخصية – المنهل). بعد أن مارس العديد من المهن الوضيعة لكسب قوته، سافر إلى بلاده بسبب المرض الذي أصابه في غربته. بعد شفائه سافر من جديد إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد سمحت له هذه الإقامة الثانية بالتعرّف على الحياة الأمريكية في جميع جوانبها. واعتمادا على ذلك أصدر عام 1889 كتابا حمل عنوان «الحياة الثقافية في أمريكا الحديثة» ثم نشر في السنة التالية «1890» مقالا بعنوان: «الحياة اللاواعية للروح» وفي الكتاب المذكور- كما في هذا المقال- هاجم بحدة «المادية الأمريكية الصاخبة». في بلاده ألقى العديد من المحاضرات في العاصمة أوسلو، وفي المدن النرويجية الأخرى حول نفس الموضوع معتبرا «المادية الأمريكية» ضدّ الإنسان وضدّ الطبيعة وأن الديمقراطية في بلاد «العم سام» مزيّفة. وفي محاضرته هاجم كنوت همسون الكاتب النرويجي الكبير ابسن، مندّدا ب «أخلاقيته العرجاء». وكان كنوت همسون يؤمن بأن البشر درجات، وأنهم ليسوا متساوين في الذكاء، لذا كان يقول بأنه ينتمي إلى ما كان يسميه ب « ارستقراطية الحس والذكاء» وفي كتاباته حاول الدفاع عن أفكاره. وقد جاءت لغته موسيقية، متدفقة وقادرة على أن تلتقط حتى التفاصيل الدقيقة. في عام 1890، أصدر كنوت همسون روايته «الجوع» التي حققت له شهرة عالمية واسعة. وفي هذه الرواية يدين «الحضارة المادية» وجميع مظاهرها التي «لوثت الحياة الإنسانية» وجعلتها «غير محتملة». وهذا ما فعله أيضا في جل الروايات التي أصدرها خلال مسيرته الإبداعية الطويلة. أثناء الحرب العالمية الثانية، ناصر النازية، واعتبر ان هتلر قادر على أن «يقيم في ألمانيا مجتمعا جديدا، متحررا من كل الأمراض التي جلبتها الحضارة المادية». وقد أصيب كنوت همسون أكثر من مرة بنوبة عصبية حادة، وفي أواخر حياته اشتدت عليه هذه النوبات حتى لم يعد يعي ما يقول وما يفعل. في كتابه: «كنوت همسون، الحالم والغازي» يضيء النرويجي « انغار سلاتن كولو» جوانب جديدة في حياة صاحب رائعة «الجوع» ويشير إلى أن بعض أفراد عائلة هذا الكاتب كانوا مصابين بالعفة والجنون. كما يشير إلى أن السنوات القاسية التي عاشها في طفولته وفي سنوات مراهقته وشبابه، تركت في نفسه جروحا لم تبرأ حتى عندما تقدمت به السن، وحصل على شهرة عالمية كبيرة. وكان شديد الإعجاب بنيتشه وأيضا بالكاتب السويدي ستراندبارغ. في روايته «فيكتوريا» كتب عن الحب حيث يقول: «ولكن ما هو الحب بالضبط؟ هل هو ريح تداعب شجرة الورد؟ لا إنه شلة تسيل في عروقنا وهو موسيقا جهنمية ترقص حتى قلوب الشيوخ وهم على حافة القبر!». يقول «انغارسلاتن كولو» إن كنوت همسون كان فخورا بجذوره الريفية، وكان يتباهى بها أمام الجميع، بل انه حاول في جميع ما كتب أن يبتكر ما كان يسميه ب «الرومانسية الزراعية» المضادة لصخب المدينة الحديثة وللحضارة المادية، وعندما صعد النازيون إلى السلطة في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، راح كنوت همسون يحثهم على ضرورة حماية النرويج من «الخطر البريطاني» وحين اندلعت الحرب الكونية الثانية، حرّض أهل النرويج على مناصرة النازيين. لذلك لم يتردّد في أن يلتقي بغوبلز وزير الدعاية النازية كما أنه التقى بادولف هتلر. وعندما سقطت النازية، وانهارت الدولة التي أقامتها وانتحر زعيمها: قال كنوت همسون ممّجدا «الفوهر»: «لقد كان مُصلحا استثنائيا ومصيره التاريخي جعله يصطدم بفترة تاريخية اتسمت بعنف لا مثيل له. وهذا العنف هو الذي كان سببا في سقوطه». بعد نهاية الحرب الكونية الثانية، حوكم واودع مصحة الأمراض العقلية، وهناك كتب نصا للدفاع عن نفسه وعن أفكاره حمل عنوان: «على الدروب حيث ينبت العشب». صورة عائلية على درج "فيلا Havgløtt" ؛ من اليسار إلى اليمين: توري هامسون ، ماريا هامسون ، أريلد هامسون ، كنوت هامسون وإلينور هامسون. وفي السنوات الأخيرة من حياته، عاش كنوت همسون العزلة، وكان أهل بلاده يتعاملون معه كما لو أنه «خائن للوطن». أما الروايات التي ألفّها فلا تزال إلى حد هذه الساعة تفتن الملايين من القراء في جميع أنحاء العالم. روابط خارجية كنوت همسون على موقع IMDb (الإنجليزية) كنوت همسون على موقع الموسوعة البريطانية (الإنجليزية) كنوت همسون على موقع Munzinger IBA (الألمانية) كنوت همسون على موقع AlloCiné (الفرنسية) كنوت همسون على موقع MusicBrainz (الإنجليزية) كنوت همسون على موقع AllMovie (الإنجليزية) كنوت همسون على موقع Internet Broadway Database (الإنجليزية) كنوت همسون على موقع قاعدة بيانات الأفلام السويدية (السويدية) كنوت همسون على موقع NNDB people (الإنجليزية) كنوت همسون على موقع Discogs (الإنجليزية) مصدر السيرة الذاتية موقع ويكيبيديا https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D9%86%D9%88%D8%AA_%D9%87%D9%85%D8%B3%D9%88%D9%86
إشكالية الاستشراق الحديث
BY روبرت سوليه
8.0
المقال
سيرة ذاتية
Share
×
Article
إشكالية الاستشراق الحديث في «فندق مهرجان» لروبير سولييه ضحى عبدالرؤوف المل يتوغل الكاتب والروائي الفرنسي روبير سولييه في روايته «فندق مهرجان» الصادرة عن دار هاشيت أنطوان في عمق الأمكنة التي تميل إلى التصوير الممنهج في الأسلوب الروائي، المحقق لمكتشفات تهدف إلى إعادة النظر في المجتمعات العربية وقوة تأثرها في الغرب، من حيث الانهماك في الترف العربي، والنجاح اليهودي، أو «الشعب المختار الذي يثير إعجابنا» وبانتقاد انعكاسي يسلط الضوء على فئة من اليهود يعيشون مع العرب بميزة الفكرة المكتسبة عن السلوك اليهودي، أو ذلك الشبيه بحكايا مبطنة تجمع بين الأطراف المتناقضة، مثل الصالون الإنكليزي والأشجار من النخيل الملكي، وهذا مؤثر في السرد الروائي، الذي يعتمد على اللغة البصرية أو لغة الكاميرا الواسعة، بمعناها الاستشراقي الغارق في إبراز أهمية المكان الذي يضم هويات إنسانية متنوعة. فالمكان هو فندق مهرجان وهو الذي تؤمه عدة جنسيات، وبميل شرقي يحمل من النسمات الاستشراقية رؤى متضاربة في توصيل الفكرة التي غلفها روبير سوليه بشخوص تنوعت عبارات التعجب نحوهم «باختصار، كان الشعب المختار يثير إعجابنا» فهل التحرر ميزة اليهوديات في رواية «فندق مهرجان» للروائي روبير سولييه المنبهر بالمكان الشرقي الذي يسكنه بعض أعيان المدينة من المسلمين والمسيحيين واليهود؟ لم ينصف الروائي روبير سوليه شخوصه، بل وظفهم في إبراز قيمة المكان أو التنوع الهادف لخلق إشكالية من عدة نقاط تحمل الطابع التوثيقي المراعي لأبسط قواعد السرد. فنراه يشدد على الوصف التصويري، لإبراز الفروقات في المستويات الإنسانية ضمن المكان الواحد، وتبعا للتصوير النفسي، أو ذلك المبالغ فيه في نظرة العرب لليهود، ووضعهم ضمن صورة فيها من المبالغات ما يجعلها شبه أسطورية في الكثير من التفاصيل «لقد بدت أولئك اليهوديات المثيرات مختلفات عنا» فصورة اليهود في الرواية هي صورة اليهود العرب، الذين ينتمون إلى المكان، وإن بتصوير حسي وآخر إخباري، وبتوجه يظهر قيمة التعايش بين اليهود العرب والآخرين في المكان الواحد الذي يشيه العالم، وبمعالجة روائية تعطي صورة مقروءة عن إشكالية الاستشراق الحديث في رواية «فندق مهرجان» للروائي روبير سولييه، فهل تسقط الحواجز الدينية بسهولة بين الأثرياء كما يقول سولييه في روايته؟ إيحاءات كثيرة مبطنة استخدمها روبير سولييه لتكوين فكرة عن مجتمعات عربية تغوض بمتعة الاستهلاك، بدون التفكير في الحاجة إلى البقاء في فندق، ما هو إلا العالم الصغير الذي وضعه سولييه أمام القارئ بمختلف تطلعاته، وبحبكة روائية بدأت قرابة الرابعة بعد الظهر. إلا أن الزمن الأساسي برز في ملامح الشخوص «والأقمشة الإنكليزية التي عهد بها إلى افضل خياطي المدينة» وما بين المدينة والفندق اختلافات كثيرة، منها أن «في هذه المدينة المجزأة والمختلطة جدا في الوقت عينه، كنا نعيش كالجيران. ومع أن كل طائفة تملك مستشفاها وجمعيتها الخيرية، فإن أمورا كثيرة بقيت مشتركة على مستوى كل طبقة من طبقات المجتمع». فهل التأثيرات الاجتماعية وإسقاطاتها على «فندق مهرجان» هي استنكار التشرذم اليهودي العربي داخل المنطقة العربية بشكل عام. وهل «فندق مهرجان» يمثل قطعة من الزمن تعايش معها اليهود مع العرب بدون أي إشكالية معقدة في البقاء معا ضمن مجتمعات عربية انتقدها سولييه بشكل غير مباشر في روايته فندق مهرجان؟ نأى الروائي رويير سولييه عن الصخب بمعناه الديني المكتسب، وجعله قطعة منفية خارج المكان والزمان، بل تركه كعالم خارج العوالم المحيطة به، وإن لامس بتفاصيله كل وقائع الحياة، رابطا الأطراف المكانية ببعضها، وبفن روائي انتقادي لواقع ما هو إلا الوجع اليهودي العربي «لم يكن في ناري مكان يعرف بوسط المدينة، فمكان كهذا لا يتلاءم مع فسيفساء سكانها. ما معنى الكنيس بالنسبة إلى مسيحي أو الجامع الكبير بالنسبة إلى يهودي. سوى وسط يخص الآخرين ونقيض لوسطه الخاص». فالتصوير الحسي لأحداث المكان تنازعتها الملامح البيئية المؤدية إلى إبراز العوامل المهمة في البناء الفني الروائي، لهذا الفندق أو لهذه الرواية التي تمثل الكيان الاجتماعي لفترة من الفترات التي مرت على مصر والمرتبطة بالمواقف الإنسانية والانفعالات الاجتماعية المتعلقة بالانجذاب التخيلي لـ«فندق مهرجان» يمثل بقعة فانتازية كالمرايا المعاكسة لطبائع وسلوكيات، ما هي إلا الشخوص بمختلف توجهاتها المؤدية إلى عدة تغيرات سلبية أو إيجابية، وكأن «فندق مهرجان» هو المكان المثالي للتواجد اليهودي الآمن على بقعة تستقطب الزوار بمختلف فلسفاتهم وعقائدهم . فما هي خطورة المكان على الواقع الروائي بالنسبة لروبير سولييه؟ ميزة التبطين الروائي رافقت «فندق مهرجان» حتى النهاية من ميزة كان «على أجدادنا أن يعتنقوا الإسلام حتى التغيير الجديد في إدارة فندق مهرجان». فالمرواغة حققت أهدافها في جذب انتباه القارئ إلى البيئة التي يضعنا فيها خارج الزمان والمكان، والبيئة الأخرى المؤرخة في تفاصيل الواقع الذي ينقله إلينا عبر تاريخ، وبانتقاد لمجتمعات شتى ولتاريخ متعدد لم يقتصر على الأحداث، بل تخطى لوحة بيكاسو ومجتمع مدينة ناري وأصول تسميتها، والأهم من هذا كله مشكلة الماء الكلسي وتلميحات عن سوء الصناعة التي كانت مزدهرة آنذاك، وما بين فروقات البطيخ المزروع في بساتين اليوناني والجوافة التي تشبه الفروقات بين فندق مهرجان وباقي المدن والأماكن التي ذكرها سولييه في روايته الانتقادية اللاذعة، من حيث غيوم الشؤم التي تتلبد في السماء، وهي غيوم تنذر بالويلات الناتجة عن هجرة اليهود من مدينة ناري التي طرد منها اليهود، وباستنكارات شدد عليها سولييه «كيف يمكن أن يطرد المرء من دياره؟ والداي، أجدادي، وأجداد أجدادي ولدوا ودفنوا في ناري. أين تريدونني أن أذهب؟» فهل من طروحات إنسانية يقدمها روبير سولييه في روايته؟ أم أنها رواية مشبعة بالأفكار الاستشراقية لخلق نزعة تكتسب أهمية الأحداث المتعلقة بيهود الشرق؟ شخوص متعددة تشابكت مع الأحداث منها من غادر منذ البداية، ومنها من اضاف قيمة للزمن ولحكايا تاريخية نسجها في رواية لا يمكن الجزم بأن الأحداث فيها هي ما وقعت بالفعل في المناطق العربية التي ذكرها. إلا أنها تجسد معاناة هجرة اليهود من الأماكن العربية لإثارة الحماس عند القارئ، وبتقنيات السرد المثير للفضول ولاستفزازات تؤدي إلى التعاطف مع قضية فندق مهرجان وإغلاقه ومن ثم إعادة أصوله إلى الدلالة التاريخية الغارقة بالنكهة العثمانية، والسمات التي كانت سائدة آنذاك، والتي تمثل الزمن التاريخي المتخيل في الرواية لخدمة المكان والشخوص، ولعنوان اختاره برمزية تاريخية هي بمثابة خلط الأوراق وإعادة الصورة لتصحيحها من قبل القارئ. فهل تثير رواية «فندق مهرجان» البحث عن أسباب كتابتها، وهل تجسد هموم يهود الشرق بمختلف رؤاهم؟ أم أنها تعيد التاريخ لترصد معاناة الأمكنة التي اكتسبت صفة تاريخية خاصة؟ Doha El MOL
×
روبرت سوليه
روبرت سوليه (1946) صحفي وروائي فرنسي من أصل مصري. من مواليد القاهرة، وانتقل إلى فرنسا في سن الثامنة عشرة. شغل منصب أمين المظالم في صحيفة لوموند الباريسية. من أشهر أعماله الروائية الطربوش (الحائز على جائزة البحر الأبيض المتوسط عام 1992). البداية ولد روبير سوليه في مصر عام 1946 لأسرة مسيحية من «الشوام» سبق أن هاجرت إلى مصر منذ عهد بعيد. درس في مدرسة «الليسيه» الفرنسية المصرية ثم أكمل دراسته في ثانوية «الجيزويت». وفي سنّ السابعة عشرة ترك سوليه مصر لكي يستكمل تعليمه في فرنسا. تخصّص في الصحافة في المدرسة العليا للصحافة. مسيرته عام 1969 عمل سوليه محرّراً في جريدة «لوموند» الفرنسية واستمرّ فيها لأكثر من عشرين عاماً متنقلاً بحكم عمله كمراسل بين روما وواشنطن. وطوال فترة مكوثه خارج مصر عاش سوليه في عالم من الحنين إلى أرض الفراعنة، وفي العام 1984 قرّر العودة إلى مصر مرة أخرى بهدف تغطية افتتاح مستشفى عين شمس الذي ساهم الفرنسيون في بنائه. ومنذ تلك اللحظة بدأت مرحلة جديدة في حياة سوليه الذي قام بجولة مع منظمة اليونسيف في أنحاء البلاد التي كان يعرفها، وإذا به يندهش مرّة تلو أخرى بحجم التغيير الذي طرأ على هذه البلاد. وقد كتب عن هذا التغيير في أكثر من كتاب ورواية له مثل «سهرة في القاهرة» التي اعتُبرت امتداداً لروايته الأثيرة «الطربوش».لم يتوقّف سوليه عند كتابة الرواية بل إنّه نشر الكثير من الدراسات والكتب التاريخية التي تتخّذ من مصر موضوعها الأساس. ومن هذه الكتب نذكر «قاموس المحبّ عن مصر» حيث اختار أن يضع كلّ ما ربطه بمصر سواء بالسلب أو بالإيجاب. ورغم معرفته للعربية إلاّ أنّ سوليه لم يكتب إلاّ باللغة الفرنسية لأنها لغته الأولى، وإنما تُرجمت كتبه إلى الكثير من اللغات الحيّة ومنها العربية. مؤلفاته المسيحيون الجدد الطربوش المملوكة مصر: ولع فرنسي مجانين مصر مصر الأمس بالألوان سهرة في القاهرة فندق مهرجان مصدر السيرة الذاتية موقع ويكيبيديا https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%B1_%D8%B3%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%87
«
11
12
13
14
15
»