Movie
Series
Books
Paintings
Anime
Interviews
Theater
Login
 
Contact Us
 
النبرة الشاعرية في رواية
BY الروائي يوسف البعيني
9.0
المقال
سيرة ذاتية
Share
×
Article
الغرفة السفلية " لبنان الذي لا يعرف الانكسار" ضحى عبدالرؤوف المل تعلو النبرة الشاعرية في رواية " الغرفة السفلية " للروائي يوسف البعيني الصادرة عن "دار النهار" لبنان في أكثر من صورة برع في تحميلها محبته" للبنان الذي لا يعرف الانكسار، ولا الخنوع، ولا الهروب إلى الحزن، صدح صوته مع بدايات ذلك العام، ترنيمة شوق إلى الحياة، أسمعها إلى أهله الطيبين وضيوفه الباسمين" وفي كل هذا الوصف الجمالي حرقة في المعنى تعيدنا إلى الماضي" فكل معزوفة أمل كانت تعاند حاضر تلك المدينة " وهذا الانتعاش في المعنى هو وليد الاستقرار الذي أحس به اللبنانيون بعد حرب طالت، وحملت الدمار الذي أعيد إعماره بعد سلسلة من اتفاقات دولية وقرارات إقليمية أفرحت قلوب اللبنانيين المتعطشين للأمن وللاستقرار، إلا إن النزاع الخارجي لم يبرأ منه لبنان، لأن المصالح وإن بدت ضيقة كانت تتسع في العمق، لأن من عاش العمر على أبواب الحروب مرتزقا أو مقيدا لسياسة ما لا يمكنه التخلي عن دوره الدرامي أو التراجيدي، لأن المعاناة رافقت لبنان لا سيما أن البعض حمل ندوبا وجروحا وعاهات مستديمة يستحيل الشفاء منها، فإن كانت قنبلة هيروشيما قد أصابت الشعب بآلام لا تنسى فقد أصاب شعب لبنان عاهات لا تشفى، وأماكن ما زلت تحمل الآثار المدوية لرصاص اخترقها أو قذائف هتكت جدرانها، لأن الومضة الإنسانية كما يصفها الروائي يوسف البعيني تستفز رقة الأحاسيس والمشاعر. حروق أصابت وجه الأم، وعمل استغنى عن خدمات ابنة الثلاثين، ورجل عجوز غادر الحياة تاركا لها طفله المعاق هادي، وأزمات تتوارى مع صمت الأم العجوز التي غادرها ابنها مهاجرا حيث لا عودة، والحب الذي لا ينسى، وفي أوجاعه لذة تتناقض مع الخوف من القذائف والقتل، وفي التضحية وجوه وطنية جمة، ولكن الحياة لا ترحم، والقرارات التي تصدر بعزل مدرسة عن عملها لسبب طرأ على تقدم الزمن، لأنها لا تحمل شهادة جامعية، وهي التي مارست التعليم في مدرستهم طيلة سنين، وفي هذا لمحة إلى قرارات اتخذت آنذاك طابعا مأساويا، لأنها قرارات أساءت إلى الأساتذة القدماء الذين خسروا وظائفهم يومها بسبب قرار لم ينصف الأساتذة ذوي الخبرة في التدريس، فالبداية كانت من التربية والتعليم، ومن أم شوهت الحرب وجهها، وتركتها عمياء تحت رعاية ابنة هي نفسها تحتاج للقلب العامر بالحب والرعاية. عقدة قد تبدو للقارئ عادية في بدايتها بل هي من واقع معيش في كثير من العائلات التي خسرت أفرادها أو أعمالها أو حتى بيوتها ومصدر رزقها، وفي هذا تهتك للنسيج الاجتماعي بل تلميح حتى لقضية لبنان ربما" كادت تنسى أنها امرأة شرقية، مع أنها لم تنس أن استقلاليتها وسيادتها على نفسها لا تعنيان بالضرورة تحررها المطلق " فهل هذا يوحي بأن لبنان لم يتحرر مطلقا يوما ما؟ وهو الذي بقي يئن بعد إعمار مدينة بيروت التي مجدها في روايته الغارقة بالأحادية السياسية، فالروائي يوسف البعيني لم يترك للقارئ متعة النقاش أو رؤية الأبعاد أو منح الفضاء الروائي واقعية يتخللها البناء التخيلي الموازي للواقع، أي في التخيل والاستنتاج بل قدم الواقع بتقريرية نسبية، وبذاتية صحفية سلبت من الروائي بعض خيوطه التي تراخت في مواضع الزواج من المطلقة أو الأرملة أو حتى من مذاهب أخرى، واشتدت سياسيا عند تنفيذ رجل الأمن مهمته ببرودة ثنائية، في المرة الأولى عند اختيار زوجته لمصلحة عامة، ومرة أخرى عند قتل امرأة اختارت سواه. رواية سياسية تحمل في ثناياها انتماءات محددة، وملف بيئة تأججت شعلته، لتودي بمن حمله الى الموت، وهذا لم يمنح القارئ البعد في الرؤية أو روحية الاستنتاج الذهني المبني على حدث مرآتي متعدد الوجوه والتحليلات بل وجه أصابع الاتهام في روايته نحو عنوان سياسي واحد، وفي هذا إحراج للرواية، فبرغم مصداقياتها ولغتها التقريرية في بعض منها، إلا إنه اعتمد تصوير الخروج السياسي عن المنهج الإقليمي المكسو أحيانا بالأسى والتغطيات، فالحقيقة السياسية أبدا تبقى بغموضها حتى انتظار الإجماع والموافقة على إظهار الجزء الضئيل منها، وهذا يدركه تماما من هو متابع لقضايا لبنان والمنطقة في تلك السنين التي تعيدنا إلى خط ساد في فترة قاسية على لبنان، وأودت بحياة العديد من الأشخاص الذين كانت لهم اليد في بلسمة جروح لبنان، ولو بالعين التي يرى المواطن العادي فيها تلك الأحداث. رمزية لابنة الثامنة عشرة التي تشابهت صفاتها مع لبنان، وفي المرأة دائما صفات الوطن الذي نحلم به، ونحن بأشد الحاجة إليه فهي الابنة "التي اعتادت في مسيرة حياتها أن تكون منفتحة على جميع الطوائف التي تكون الخليط الاجتماعي الفريد في لبنان، وهذه من صفات لبنان التي تجمع الإنسان تحت سماء إلهية واحدة ، فالشابة" آمنت بالاعتدال في المواقف، والمحافظة على المبادئ التي تساعد على تطوير الإنسان في لبنان." فالرمزية والإيحاء والواقع مفردات روائية تلاعب بها الروائي بدرامية عفوية، لتتزن الصور. فما بين الموت والحب تضحيات ارتسمت في عمق شخوصه المتحركة اجتماعيا وسياسيا حتى مذهبيا، فالموت لا يصنف الإنسان بل حين تزهق روحه في انفجار يبكي الملايين هو شهيد بكل المقاييس، لأنه عندئذ يكون ضحية تفجير جماعي من إعداد ضابط أمن أو سواه. ارتكزت رواية الغرافة السفلية على الحدث المحلي الذي أصاب بفترة ما الناس بالذهول، وبأحداث فجائية غير متوقعة، كتلك الشابة التي لجأت من القصف لتجد فريد عطا بحالة هذيان بعد إخراجه من شقته بالقوة، حيث التقت المذاهب وتناحرت في آن، فالبناء السياسي في الرواية توحّد مع الطبقة الاجتماعية متجاهلا الأدوار العلوية من البناء الأساسي للرواية، وهو اتجاهات الدول، ربما اتخذ لها دورا ثانويا وترك للمعنى السفلي رمزية الطبقة الأكثر تأثرا في الحروب، وهي طبقة الشعب الرازح تحت وطأة الأحكام والقرارات والتفجيرات، وعلاقة التركيبات الأمنية في المس بخصوصية أصابه "سيادته " وهي مفردة توحي بنموذج بارع بالتقارير وباعتداءات تبقى كالسر المخفي المسبب لاغتيالات ولاختراقات تمس حتى حقوق الإنسان والبيئة والمجتمع . ربما القارئ اللبناني بالأخص لم يشعر بالتخييل السياسي، لأنه عايش التشكيلات الدبلوماسية والقرارات الدولية، والمشاكل الاجتماعية في لبنان حتى البيئية منها، لكن التخييل السياسي بدا بالأسلوب من حيث رؤية خلفيات الأحداث بمنظار صحافي تحليلي، وبتقريرية اتخذت عدة معلومات وقرارات، حتى بوجود صحافة تعتمد على البقية تأتي والخبر المحبوك والمنظم، والإعلام الموالي لجهة استاءت من ميول حاربتها بشتى الطرق والوسائل، وبأحداث تتكرر في أكثر من زمن مر على لبنان حيث الأخبار هي الأخبار نفسها التي تتطابق مع سني الماضي. إلا إن للعنوان" الغرفة السفلية" اتجاهات جمعت الخيوط الروائية عند نقطة واحدة توجهت إليها الأنظار بدهشة عندما استفاقت الذاكرة التي لا تنسى ذكرى حبيب أنجبت منه مولودها المعاق الذي أتى بلحظة غيبوبة تشبه غيبوبة لبنان في حرب دمرته، واستفاق ليبحث عن ذاته في ذاته ضمن الغرفة السفلية التي لجأت إليها ابنة الثامنة عشر بعد أن توقف فيها الزمن عند هذا اللقاء، وشغفه الذي يصعب نسيانه، فهل باسمة الحسان في جزء منها هي لبنان أم هي لبنان الساكن فيها والباقي بروحه الخالدة وأرضه الحنون؟ Doha EL Mol
×
الروائي يوسف البعيني
يوسف البعيني لبناني ولد عام 1957 عضو اتحاد الكتاب اللبناني. حائز على إجازة في الصحافة وأخرى علم الاجتماع من الجامعة اللبنانية. عمل في مجالي الصحافة والتربية . من إنتاجه الروائي الأغصان الهشة 2006 الغرفة السفلية 2014 فرعون 9,0عام 2014 والكثير من المؤلفات الأخرى .
رواية مناف زيتون وغموضها
BY الروائي مناف زيتون
9.0
المقال
سيرة ذاتية
Share
×
Article
ظلال الآخرين: رواية مناف زيتون وغموضها ضحى عبدالرؤوف المل ما نفى الروائي "مناف زيتون" ذكورية القابع في فراغات الحروب، ولا ساعات الجنس المتخيل، وبين ما هو مقبول وغير مقبول عند المرأة، قفزت الفكرة إلى عذرية الرجل المتخبط بين الماضي والحاضر، والبحث عن ظلال الآخرين في آخرين من الزمن نفسه، ولكن لا ظل لهم لأنهم يعيشون الحاضر الفراغي. وبوصف روائي شمل الكثير من التفاصيل الأشد تعقيدًا من الحدث نفسه، وكأن اللغة الإنسانية بعد دمار المدن تفتقد لقوة الزمن، حتى القارئ لرواية "مناف زيتون" الصادرة عن "دار نوفل" بعنوان "ظلال الآخرين" يكاد يتفقد ظله وهو يقرأ بجمود لا حراك فيه إلا لقطرة ماء تتساقط من سقف مهدم. ليشعر بوجوده في رواية غاب عنها الحس الإنساني، وطغى عليها البشري بمفهومه الذي يعيدنا إلى بدء الحياة بعد كل دمار كبير يطال المدن. "لا أعرف من أكلم، لا أعرف لمن أشرح أو كيف يمكنني أن أشرح حالتي حتى لنفسي، ليس هناك من يؤكد لي أنني أشرح ولا أتشعب في وصف الأمور، وأجعلها أشد تعقيدًا دون أن أدري". والحرب حين تلقي بظلها على الآخرين تجعلهم على الاستعداد في خوضها، لأنها تجبرهم إما على الموت، أو على البقاء، وفي كلتي الحالتين هي الحرب القاتلة عزلة وتشريدًا ودمارًا. "لم أرد أن أضطر لقتل أحد، ساعات الملل والوحدة تبدو لي أفضل من القتل". فهل الغموض الروائي في "ظلال الآخرين" هو الزمن المختفي بين براثن دمار المدن وثقل الوحدة فيها؟ أم أن الإنسان بعد كل حرب هو في حرب أخرى هي حرب البقاء في أرض العزلة؟ روايات الحرب والعزلة، وظلال ترمي بظلاميات الوجود إلى الدرك الأسفل من معنى البقاء أو من عبثية الإنسان، وظلمه لنفسه. والرواية رغم أنها متخيلة، إلا أن الواقع ومرارته يتجسد بالثقل الزمني فيها أو بقوة الوحدة والصراع النفسي المتعمق في واقع الجيل الشبابي الحالي الذي يميل إلى الألعاب الإلكترونية والأكشن أو الإثارة في ممارسات تنطوي على لغة الموقف الذي يفرض نفسه من زوايا رواية هي ظلال الماضي، والأماكن التي تجول فيها للبحث عن السعادة والماء التي تتساقط من سطوح الأبنية أو الغرف التي دخلها هي رمزية الحياة التي يفتقدها. فمن بين جميع الأماكن في الرواية بقي الحلم هو المكان الغامض أو الغريب أو الإحساس بالسعادة عند ممارسة الذكريات أو الغوص في تفاصيلها، دون أن يستسلم الإنسان لليأس بعد كل هذه الحروب التي تدل عليها الأماكن الخالية من الناس أو من أصحابها، في محاولة للبحث عن معنى الحياة الحقيقي. أو لتبرير التحقق من الأحداث المؤدية لذلك وهي يد الإنسان نفسه الذي يفنى بفعل الصراعات الداخلية والخارجية. وهذه هي اللعبة الكبرى في الرواية الهادفة إلى البحث عن حياة الآخرين أو ظلالهم التي فقدتها الأماكن، وبالتالي باتت خالية من الحياة الإنسانية، وعادت إلى المعنى البشري رغم المستقبل الذي يشير إليه "مناف زيتون" في روايته "ظلال الآخرين". فهل يمكن مراقبة العالم في عالم روائي ساكن يستعرض فكرة البقاء في المستقبل؟ تفنى الحضارات وتبقى آثارها عالقة في الأرض والذاكرة كتاريخ له ظله، وبما يكفي ليحيا إنسانيًا على الأوراق أيضًا. إذ يعيدنا "مناف زيتون" إلى أوراقه الروائية: "علينا أن نترك أثرًا خلفنا، قد تكون مليئة بأمثالنا ونحن نبحث عنهم حيثما مروا، عاجزين عن لقاء بعضنا البعض في حلقة مفرغة من الوحدة والسكون. وجود سوانا ليس أمرًا مؤكدًا، إنما المؤكد هو أن الوصول إليهم، إن وجدوا، يعتمد على حجم الأثر الذي نتركه خلفنا." وهذا ما يهدف إليه "مناف زيتون" في روايته التي تحث الإنسانية إلى العودة عن طريق المستقبل أو التحديث الوجودي البعيد عن الدمار أو البيوت الواهية، وفي هذا ميل إلى عنكبوتية الظلال في الأماكن التي باتت فارغة من أصحابها وتقنيات الزمن الذي أعاد البشرية إلى انطلاقتها الأولى. إذ لم يستخدم "مناف زيتون" صفة الإنسانية، بل ترك للبشرية وجودها الذي جعله يقول: "قبل أن يرحل البشر يجب تنظيف المكان من آثارهم، خصوصًا الأسماء." فهل التنقل في الأماكن يجسد البقاء العبثي في كوكب ينفي عنه صفته أو اسمه المتداول وهو الأرض التي نعيش عليها ولا نرحمها من عبثية البشر وعدم قدرتهم على الالتزام بصفة الإنسانية الكبرى؟ دبيب ذكريات وثقل في حركة تترجمها اختفاء الكثير من الآخرين أصحاب البيوت والمتاجر وما إلى ذلك. وهذا يفقده صوابه بعد خروجه من سجن صغير إلى سجن أكبر وهو الأصعب. إذ يكبر الحلم بالأمنيات لزيارة المدن الكبرى، والأنهار والحضارة التي خلت من الآخرين. "حين أجد آخرين لن أحضرهم إلى هنا عليك أن تفهمي، أنا خارج لأبحث عن مؤنس لوحدتي، أريد صوتًا آخر يجيبني." قوة الوصف جعلت الزمن يتباطأ، وبالتالي هوس حياة الوحدة جعل من البطل يقود نفسه نحو الحقائق. لتبرز المخاوف واحدة تلو الأخرى من خلال وحشية الوحدة أو وحشية الحدث الذي ترك الإنسان يبحث عن الوجود في عبثية لا وجود لها. فاختيار الكلمات كان له الأثر في خلق التنافر البيئي لزمن الرواية البطيء والغامض في تجربة هي ممارسة البقاء الفردي في أماكن العزلة والانعكاسات الميتافيزيقية التي تتمحور حول فقدان البشرية الإنسانية بمعناها الكبير. إذ لا يمكننا الاستغناء عن الحداثة، وعن اللعبة الكبرى في الوجود وهي التنافس الذي يؤدي إلى مستقبل مثمر وليس إلى الدمار الشامل. فهل نحن في كوكب ميؤوس منه تهيمن عليه قوى الفساد؟ وتبقى الإجابة في "ظلال الآخرين" حيث ألم الذكريات: "يكفي أن أؤمن بما يكفي أن الزمن لا يتحرك كي تتوقف عقارب الساعات في العالم كله عن الدوران." وبهذا ألغي "مناف زيتون" سرعة الزمن ودوران الأرض، وتركها في ظلمة بعيدًا عن الشمس والأمل، وإن بتبطين مال نحو الوصف وقوة التسلل نحو الأماكن التي حاول أن نكتشف معه غياب الظل عنها. ولكن يبقى السؤال: هل الرواية هي اللعبة الكبرى لجيل بات الصراع حتى في مخيلته البشرية؟ سأستكمل وأقول أن رواية "ظلال الآخرين" لمناف زيتون تقدم تجربة قراءة عميقة ومليئة بالغموض والتفكر في طبيعة الإنسانية والحياة. من خلال سردها المعقد والمفصل، تنقل الرواية القارئ إلى عالم مظلم يتسم بالدمار والعزلة، حيث يواجه الفرد صراعاته الداخلية والخارجية في سياق حروب وتدمير شامل. إذ تُعتبر لغة الرواية أداة قوية في نقل مشاعر الغموض والتشوش التي يعيشها أبطالها. يخلق الأسلوب الوصفي المكثف والتفاصيل الدقيقة تجربة قراءة مغمورة في الغموض، حيث يتمكن القارئ من الشعور بالثقل الزمني وبطء الأحداث. تُستخدم اللغة لخلق أجواء مشحونة بالقلق والتوتر، مما يعزز من عمق تجربة الرواية. تتناول الرواية موضوعات متعددة من بينها العزلة، والحرب، والبحث عن معنى الحياة في عالم مُدمر. الرمزية تلعب دورًا رئيسيًا في النص؛ إذ تُجسد الأمكنة المهجورة والدمار كرموز للوحدة والفراغ الذي يعيشه الأبطال. يُظهر النص كيف يمكن للأماكن أن تعكس الحالة النفسية للشخصيات، وأن تكون تجسيدًا لمفهوم العزلة والتشتت. فالشخصيات في الرواية تتميز بالضياع والتخبط، فهي تسعى جاهدة لفهم مكانها في عالم أصبح غير قابل للتعرف عليه. تتعرض الشخصيات لامتحانات صعبة في محاولة للتأقلم مع ما تبقى من حياتها بعد الحروب. شخصية الرجل التي تبحث عن عذرية الماضي وتصطدم بالواقع الحالي تعكس الصراع الداخلي بين ما كان وما هو كائن، مما يضيف بعدًا نفسيًا معقدًا للرواية. تغرق الرواية بتأملات فلسفية عميقة حول الوجود والإنسانية. يتناول النص قضية البحث عن المعنى في عالم تبدو فيه القيم الإنسانية في تراجع. يتم استكشاف مفهوم الزمن وعلاقته بالبشر، وكيف يمكن أن يؤدي الدمار إلى فقدان المعنى والهوية. تظهر الرواية كأنها تسعى للإجابة عن أسئلة وجودية حول معنى الحياة بعد انهيار الحضارات. أما الأسلوب السردي في الرواية متشابك ويعتمد على السرد الداخلي والتأملات الشخصية، مما يجعل من الصعب في بعض الأحيان متابعة تسلسل الأحداث بشكل خطي. لكن هذا الأسلوب يعزز من الشعور بالضياع الذي يعاني منه الأبطال، ويعكس الفوضى التي تتسم بها حياتهم. كما تؤثر الرواية بشكل قوي على القارئ من خلال تصويرها للحالة النفسية الممزقة للشخصيات. تؤدي الأوصاف الدقيقة والتفاصيل المكثفة إلى تحفيز مشاعر الحزن والتعاطف، وتجعل القارئ يشعر بالانفصال والوحشة التي تعيشها الشخصيات. رواية "ظلال الآخرين" لمناف زيتون هي عمل أدبي يستكشف عمق الروح البشرية في سياق من الدمار والعزلة. بفضل لغتها الرمزية، وتناولها الفلسفي العميق، وشخصياتها المعقدة، تترك الرواية أثراً قوياً وتدفع القارئ للتفكير في أسئلة وجودية حول الإنسانية والزمان والمكان. هي تجربة قراءة تتطلب تأملًا عميقًا وتمنح القارئ فرصة لاكتشاف الظلال التي تُخفيها الحياة في أوقات الأزمات. dohamol67@gmail.com
×
الروائي مناف زيتون
المعلومات الشخصية: الاسم الكامل: مناف زيتون مكان الولادة وتاريخها: دمشق في 13 أكتوبر 1988 الجنسية: سوري السيرة الحياتية: خريج كلية الإعلام في جامعة دمشق. صدرت أولى رواياته “قليل من الموت” عام 2013، وأدرجت في القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد – فرع المؤلف الشاب. إضافة إلى الكتابة، يعمل زيتون صحفيًا ومترجمًا مستقلًا مع عدة مؤسسات ووسائل إعلام عربية، وسبق له إدارة تحرير المجلة الثقافية الاجتماعية السورية (الحياة الجديدة) وموقع (بلوكة .كوم) الذي توقف عن العمل سنة 2017. له عدة نصوص إلكترونية منشورة على مدونته الشخصية، ومن بينها سلسلة القصص القصيرة المعنونة “الفزاعة”، وسلسلة النصوص النثرية والشعرية المعنونة “مادلين”. النتاج الروائي: • “قليل من الموت”، 2013 • “طائر الصدى”، 2014 أما ما قاله عن في مدونته : ولدتُ في نهار عادي إحداثياته 13 تشرين الأول/أكتوبر 1988 في دمشق، حصلتُ على بكالوريوس في الإعلام والاتصال الجماهيري، ومارستُ الكثير من الأعمال، معظمها في مجال الصحافة ولم تتضمن الاستيقاظ باكراً. أحبّ قراءة الكتب والمدونات والمقالات والأخبار والمكونات على علبة الشامبو وصفحة الشروط والأحكام التي لا يقرؤها أحد، وأحبّ الكتابة لدرجة أنني مارستُ حماقة النشر، وصارت لدي أربع روايات معلقة كفضيحة على رفوف المكتبات ومعارض الكتب. إضافة لهذا الموقع، أقوم بتحرير مدوّنة تكنومالي المتخصصة في الاقتصاد والتكنولوجيا والكريبتو. هذا الموقع مساحة حرّة أكتب فيها منفرداً بعيداً عن أعين المحررين، كما أسهّل فيها مهمة التعرف على فضائحي-رواياتي وكيفية الحصول عليها. جميع الآراء الواردة على هذا الموقع تعبر عني في لحظة كتابتها، وكأي إنسان لا تعبر آرائي الماضية عن أفكاري في الحاضر بالضرورة. مصدر نبذة من سيرته الذاتية موقعه الخاص أو مدونته https://manafz.com/about/
الفيلسوفة التي لا تقرأ في قمر أريحا
BY الشاعر د.محمود عثمان
9.1
المقال
سيرة ذاتية
Share
×
Article
الفيلسوفة التي لا تقرأ في قمر أريحا ضحى عبدالرؤوف المل الأم والوطن وفلسطين التي ما زالت تتفقد رحيل الأبناء، تغنى الشعراء على مر العصور بالأم. فكانت الحياة بمجملها، بل بصورها المختلفة بين الكائنات، ومن لم نجد الأم في قصائده تكون الجدة هي البديل، كرحيل "أبو الطيب المتنبي" لجدته، حيث قال: "أحن إلى الكأس التي شربت بها/ وأهوى لمثواها التراب وما ضما". وشاعرنا "محمود عثمان" في ديوانه "قمر أريحا"، الصادر عن المركز العربي للأبحاث والتوثيق في تموز/يوليو 1999، وضع الإهداء "إلى الفيلسوفة التي لا تقرأ". فالفلسفة هنا هي القدرة على الإتيان بخبرة حياتية لتمنحها إلى وليدها بعيدًا عن الشكوى والتذمر، لأنها القادرة على تحويل السلوك الصبياني إلى سلوك معرفي، بعد أن أضاف صفة ثانية هي المعلمة، ولم يقل "مربيتي" لأنها استطاعت مدّه بتربية تعليمية تميل إلى العلم القرآني الذي كانت تعرفه الكثير من الأمهات دون أن تكتب. فكانت كلماته مسبوغة بالعرفان لها، لأن خفقان القلب الكبير يمنح الإنسان قوة في التحمل والإدراك والإصغاء إلى كل ضعيف يدب على الأرض فيقول: "إلى الفيلسوفة التي لا تقرأ والمعلمة التي لا تكتب إلى من علمني خفقان قلبها الكبير أن أصغي لأنين القلوب الضعيفة." وربما في الخفقان تصوير لشدة خوف الأم على ابنها حين تضمه على صدرها بعد تعرضه لما يخيفها عليه. فالانتصار على الجهل بالابتسامة هو ابتسامة الأم لابنها، وهو يحاول إثبات وجوده أمامها، كأن يشرح لها عن أمر ما وهو يظن أنها جاهلة به. فتستمتع له وكأنه الأستاذ على مدرج الجامعة أو الشيخ على المنبر. ولم ينس الشاعر دمعها الغزير الذي تكونت منه مياه البحار، إن بتصوير حسي يحرره من وطأة الملامح التقليدية التي نصف بها الأمهات عادة. فالمسافة بين حرف الجر الذي بدأ به القصيدة وبين "من فمي" هي إليك أمي. وعلمتني ابتسامتها أن أنتصر على جهلي، ودمعاتها أن ماء البحر قليل. إليك يا من أطلقت شرارة الوحي في دمي، وبلابل الشعر من فمي. إليك يا أمي. الأمومة هي عاطفة تسكبها الأم وتنصهر معها. فيتطور الوليد وينمو ويكبر ويصبح من الذين انصهروا في بوتقة الحب الأكبر. هذه العلاقة الإنسانية والعاطفة الأمومية تصاحب الإنسان في مسيرة حياته، فيكون لها الأثر الأكبر على الإنسان والشاعر بشكل خاص. وهو في هذا الإهداء منحنا صورة ذاتية عن تلك التي جعلته يرتقي بلغة الشعر، لأنها من أطلقت شرارة الوحي في دمه، ولم يقل في وجدانه أو قلبه أو فكره، إنما استخدم الدم الواحد الذي جمعه بها وهو الخارج من دمها. وبهذا تتضح لنا قوة الحب في الطبيعة البشرية. فهل بلابل الشعر في القصائد الأخرى هي من وحي الأم والوطن؟ أسطر صغيرة جمعت الكثير من المفردات التي شحنها بالقوة الفنية القادرة على إيصال صورة الأم حسيًا إلى القارئ، وبإيجاز لأم ترك الاسم الخاص بها، والذي نعرفه جميعًا هو "الأم"، بينما منحها صفات الفيلسوفة والمعلمة والمنتصرة والباكية بصمت التي لا تقرأ ولا تكتب ومع ذلك أطلقت بلابل الشعر من فمه. إن انعكاس صورة الأم في الإهداء هو الموحي باضطرام لغة الشعر الوجدانية والعاطفية في تكوينها الأول، وهي الموطن الأول أيضًا باتجاه الموطن الثاني الذي يجسد بأهميته لغة البقاء، وما شاعرنا في ديوانه هذا إلا الشغوف بالوصول إلى الدرجات العلا، أي إلى النغمة الجمالية الآتية من الأم الفيلسوفة ومحبتها لشاعرنا الذي قدم لها تغريد "قمر أريحا" وإطلالة قمرية لعدة معانٍ تعكس جمالية الذات وما يفيض عنها من مفردات تغالبها النزعة القومية الواضحة، وبصيغة الأفعال القوية التأثير مثل "ينخسف"، "ينهمر"، "يذبح"، "يصيح"، "ينزف"، لتتلامس القضايا الموجعة في نفس الشاعر مع وجدان القصيدة القومي الذي وصل إلى جماجم قانا التي سنكمل معها مشوارنا الاستكشافي مع قصيدة "ديانا". من الطبيعي ارتباط الشاعر بالبيئة التي خرج منها، وجبال الأربعين التي ترتبط ببعضها في أرض جبلية نشأ منها شاعرنا، جعلته من المتمسكين ماديًا ومعنويًا وعاطفيًا ضمن نطاق لغة الشعر التي يقدمها في ديوانه "قمر أريحا". فشخصية الشاعر في هذا الديوان تميل إلى الانغماس بالعروبة وهمومها وقضاياها، إنما بحروف جبلية هي أقرب إلى البيئة التي أفرزت هذه القصيدة في زمن اقتضى أن تنفجر القصيدة وتغرد مع بلابله. لتكون جبال الأربعين في أريحا، التي يشتق اسمها من مدينة أريحا والمشتق اسمها أيضًا من القمر والواقعة على الضفة الغربية بالقرب من نهر الأردن، لتتكون العنوان من استدارات إيحائية تتخذ عدة عناوين من جبال الأربعين التي تمتد وتجمع الكثير من المناطق العربية، وكأنها الخيط الأساسي في ديوان "قمر أريحا" الغارق في الهموم العربية واتجاهاتها، إلى جانب الصور العاطفية والانفعالية التي يزينها الديوان، والغنية بالتعابير ذات المدلول غير المتعاطف مع الغرب كما بين "ديانا" و"فاطمة"، مما يضفي صفة الوطنية العربية النابعة من نفس عروبية. يبدو أن الطبيعة هي ملجأ شاعرنا التي يستوحي منها الصور الحية، لتضيء زوايا قصائده بالحياة دون تلاشي الذات المتحررة من منطلقات الحياة الثابتة والمغايرة للمفاهيم التي انبلج منها ضوء كل قصيدة تكونت في "قمر أريحا" أو ذاك القمر المطل على الجبال العربية برمتها، محتفظًا بالاستدارة لتكون قمرية في ليالي ديوان انخسف منها القمر في قصيدة "ديانا" التي تحمل في طياتها سخرية سوداء لفاها التضاد بين "فاطمة" و"ديانا" والاختلافات العربية والغربية في المقامات الإنسانية والهموم المختلفة بين الغرب والعرب، وبرمزية الأسماء التي أطل منها على المشكلة الفلسطينية بجرأة مبطنة تميل إلى استخراج الرموز بحدة يسوقها في قصيدته، بما حوت من تعابير قوية تهز كيان القارئ، برقة تنغمس بضوء شعري يتسرب إلى عنفوان النفس، فيشحنها دون أن يسترضي "ديانا"، بل يجعل من "فاطمة" ملكة يسقط عليها صفات الحقوق المستلبة. فوطأة الانفعالات تشتد في خفوتها التعبيري، وكأنه القائد الذي يجهز لتعبئة النفوس قبل المعركة، يجمّل الكلام، وبإظهار صورة المرأة العربية بكل ما أوتيت من صفات تجعلها الأحق بالحياة. Doha El Mol المقال هذا كتبته في سنة 2019 من الشهر الرابع والآن حاولت ترك انطباعاتي عن القصيدة مرة أخرى لموقع الألكتروني الخاص لي Sunrise impact تُعتبر قصيدة "الفيلسوفة التي لا تقرأ" في ديوان "قمر أريحا" للشاعر محمود عثمان نموذجًا بارزًا في كيفية توظيف الأسلوب الشعري لإبراز الأبعاد الإنسانية والمعرفية للعلاقة بين الأم والابن. في هذا النص، يبرز شاعرنا قدرة الأم على الإلهام والتوجيه من خلال لغة شعرية تعكس ثراء التجربة الإنسانية وتكثيفها. يبدأ النص بإحالة مباشرة إلى تقليد شعري عريق، حيث يشير إلى الأم كرمز مقدس، مجددًا بذلك تقليدًا شعريًا طويل الأمد، كما يتجلى في "أبو الطيب المتنبي" في مراثيه. هنا، لا يُشيد الشاعر بمكانة الأم فحسب، بل يمزج بين التراث والأسطورة ليدعم قيمة الأم كرمز فلسفي ومعرفي. هذا الاستخدام للأسطورة ليس مجرد تجميل لغوي، بل هو تعبير عن احترام عميق وقناعة فلسفية تُضفي طابعًا مثيرًا على النص. يختار الشاعر لغة حسية قوية لنقل تجربة الأمومة. في وصفه للخفقان القلبي والدموع، يستخدم الشاعر لغة تصويرية توحي بعمق التجربة الإنسانية والشعورية. يُبرز الشاعر كيف أن الأم ليست مجرد كائن عاطفي، بل هي أيضًا مصدر للقوة والمعرفة. يتجلى هذا من خلال التباين بين "الفيلسوفة التي لا تقرأ" و"المعلمة التي لا تكتب"، مما يعكس قدرة الأم على التأثير في حياة ابنها بطريقة غير مباشرة ولكن فعالة. يمزج الشاعر بين التضاد والتجسيد لخلق تأثير درامي وجمالي. ففي مقابل "ديانا"، التي تمثل التباين الثقافي والغربي، نجد "فاطمة"، التي تُجسد الهوية العربية والأمومية. هذا التضاد لا يُستخدم لانتقاد الآخر بقدر ما يُبرز التباين بين القيم والثقافات، مما يعزز من قيمة النص ويزيد من عمق تحليله للقضايا الإنسانية. يستخدم الشاعر الرمزية بلغة بلاغية دقيقة، حيث يرمز إلى الأم بكل ما تحمله من أبعاد فلسفية وعاطفية. الأم هنا ليست مجرد شخصية، بل هي تجسيد للحكمة والتعلم والتفاني. تُظهر الرمزية في النص كيف أن العلاقة بين الأم وابنها تتجاوز حدود الجغرافيا والثقافة لتصبح تجربة إنسانية عالمية، ما يعزز من قوة الرسالة ويجعلها أكثر تأثيرًا. يُعزز النص من خلال دمج القضايا القومية والوطنية في سياق التجربة الإنسانية. فالشاعر لا يقتصر على تقديم صورة الأم فحسب، بل يربطها بالوطن والقومية، مما يضفي بعدًا سياسيًا واجتماعيًا على النص. هذا الربط بين الأم والوطن يجعل من النص تعبيرًا عن الهوية والقيم الوطنية، ويعكس التحليل العميق للأبعاد الاجتماعية والثقافية التي تؤثر في الإنسان. في ديوان "قمر أريحا"، ينجح محمود عثمان في تقديم نص شعري متكامل يجمع بين الفلسفة والعاطفة والرمزية، مُستخدمًا أساليب بلاغية وحسّية تعكس عمق التجربة الإنسانية. من خلال استخدام التراث والأسطورة والتضاد، يتمكن الشاعر من تسليط الضوء على قيمة الأم كرمز فلسفي وأخلاقي، مما يجعل النص مثالاً بارزًا في الشعر العربي المعاصر. dohamol67@gmail.com
×
الشاعر د.محمود عثمان
د.محمود عثمان، أديب وشاعر لبناني مواليد 1969. • حائز إجازة في اللغة العربية ودكتوراه دولة في الحقوق من الجامعة اللبنانية. • مارس المحاماة والتعليم الثانوي والجامعي. • صدر له ـ قمر أريحا (شعر)، المركز العربي للأبحاث والتوثيق، 1999. ـ بيضة الرخ (شعر)، دار الحداثة، بيروت 2001. ـ إبليس في الجنة (مجموعة قصصية)، دار الفارابي، 2011. ـ الطريق إلى جبل الشمس، دار الفارابي، 2012. ـ أقول ستأتي التي أشتريها (شعر)، دار الفارابي، 2013. ـ المقام المحمود، الدار العربية للعلوم ـ ناشرون، 2014. • له بعض المؤلفات السياسية والدستورية. محمود عثمان، كاتب وشاعر وأستاذ جامعي، ينتمي الى الجيل الشعري الذي يمكن تصنيفه بجيل التسعينيات. له دواوين عدة، حرص فيها على أوزان الشعر الخليلية والتفعيلة، كما حاول التفلّت من الوزن لمصلحة التجربة النثرية، وأصدر حديثاً رواية بعنوان «أرواد ــ حكاية القبطان مصطفى البطريق».
الماضي وكيف أوصلنا إلى الحاضر
BY الباحث والكاتب رمزي الحافظ
9.3
المقال
سيرة ذاتية
Share
×
Article
الماضي وكيف أوصلنا إلى الحاضر قراءة في كتاب "الحلم اللبناني" للمؤلف "رمزي الحافظ" ضحى عبدالرؤوف المل، بيروت، لبنان يقف التاريخ عثرةً أحيانًا عند التقاط التفاصيل التي تشكل في جزئياته منعطفاتٍ مهمة في التحليل والتصور، لبناء المستقبل على أسس متينة قد تكون سببًا في محو أخطاء الحاضر، قبل أن يتشكل ويتحول إلى ماضٍ ارتسم في مخيلة الجيل الجديد. من خلال المؤرخ وانعطافاته السياسية، أو من خلال ما يتبقى من كل ما هو مكتوب ومسموع وما إلى ذلك. إلا أن المؤلف "رمزي الحافظ" في كتابه "الحلم اللبناني" يسعى إلى تحقيق الحلم من "خلاصة مستقاة مما تركه المؤرخون، والآباء المؤسسون، ومفكروا الماضي..." ليتماهى مع المصطلحات ويقفز عنها، متخطيًا الشعارات بإرساء التسويات المتمثلة بواقعية سياسية "تجافي المثالية المنشودة بكل تفاصيلها التي تستدعي بدورها المناداة بتغيير الصيغة." فهو عبر التمهيد أو المقدمة إن شئنا التعبير، يوضح للقارئ البنود أو المفاهيم التي يطرحها في كتابه. إذ لا يمكن "تحويل اليأس إلى إيجابية التغيير، فيؤدي حكما إلى انتحار وطني." فهل دعوته إلى الحياة الوطنية في هذا الكتاب كفيلة بتوقف الثورات في الوطن العربي وإعادة النظر بمكونات التاريخ، وليس فقط في لبنان، إنما في البلدان الأخرى التي تآكلتها الثورة وزمهريرها القاتل؟ أم أن الحلم لا يحتاج لتحقيقه إلا للإيمان؟ اصطدمت الأحلام بالواقع السياسي ومصالح الدول الكبرى وبحياكة أسطورية نالت من جماعات تصارعت فيما بينها. وأدت إلى المزيد من الطغيان والمجازر التي يشهد عليها التاريخ بعد أن اتجهت عين اللبنانيين الجدد على مرآة التاريخ، أو بالأحرى قاعدة الماضي وقدراته في تصحيح يقظة الفكر التي يحاول "رمزي الحافظ" أن يضيء أعمدتها لتكون الأرض الصالحة لتاريخ يعيد رؤيته عبر الحلم اللبناني، والأبحاث المتعلقة بالمشوار التاريخي الذي قطعه لبنان بقساوة من الطريق إلى الاستقلال.. والميثاق، أي من التاريخ إلى الصيغة ومن الصيغة إلى القضية، تاركًا التفاصيل تمهد للدخول في الباب الرابع، والأكثر قوة في اتجاهاته موضحًا شكل الحلم ومضمونه وقدرته على انتقال الحلم إلى مرحلة الواقع والتنفيذ التي لا يمكن لها العبور كما ينبغي، لأنها ستمر بعقبات تتلازم مع المسار التاريخي الذي تماشى معه "رمزي الحافظ" وبخطين متوازيين مع أحلام فئة من اللبنانيين. فهل استطاع "رمزي الحافظ" تكوين الحلم اللبناني باستقلالية تامة؟ وهل اتصفت أبحاثه بالموضوعية التاريخية دون تصنيف يؤثر على التحليل المنطقي الذي يتخذه منحى له؟ يستخرج المؤلف من التاريخ إلى الصيغة النماذج التكتيكية المساعدة في توضيح الرؤية، خصوصًا أنه استطاع رسم الخط البياني للبناني الذي يؤلف الصيغة المتناسبة مع الصيغة اللبنانية التي تغنوا بها وتفاخروا بها، ومن ثم تحولت إلى كابوس. فمن حين إلى آخر "تطفو على سطح الجدلية السياسية دعوات إلى تعديل الدستور وميثاق الوفاق الوطني سعيا إلى حماية الصيغة اللبنانية." فهل يوظف "رمزي الحافظ" التاريخ لحماية الصيغة أم ليترك القارئ بتجاذب فكري يعزز الفكرة ويعصف بها في نواحي كثيرة يضعفها أحيانًا في نقاط يتركها للبحث والتحليل الفردي الناشئ من بسط السلبيات والإيجابيات لاستخراج ما يناسب القارئ، ولكن ضمن رؤيته للصيغة وارتباطها بالتاريخ وحنكة باحث يوجه دفة السفينة نحو الحلم اللبناني، والقدرة على تحقيقه بعد تحديث الحاضر كي يستطيع الجيل الجديد استيعاب فكرة الباب الرابع الذي يفتحه على مصراعيه أمام قائد حر يتطلع إليه من خلال كتابه هذا الذي يحمل في صفحاته صورة مبسطة يحفظها في ذهن القارئ لتكون منارة ذات ميزة تنير الفكر الباحث عن الحقيقة التاريخية التي ترافق القضية والحلم النهضوي المرتبط بإعادة الإعمار، وبناء المكونات الشبابية المتسلحة بالعلم والشهادات. ولكن لنقاط القضية اللبنانية سؤالًا بدأ به الباب الرابع: ماذا يريد اللبنانيون؟ الباب الرابع، وهو من الأهمية ما يجعله نبراسًا يحيي العقول الباحثة عن حقيقة الانتماء للوطن التي تتغلب بقوتها على الانتماء الطائفي منطقيًا واستفتائيًا وبنسبة عالية. إذ ترفض الغالبية العظمى الطائفية التي تهدد الوجود ولا تحميه، وليصبح الحلم حقيقة اتخذ "رمزي الحافظ" من قول المطران "غريغوار حداد" منطلقًا ثابتًا: "يجب أن يكون المرشحون من أحزاب لا طائفية، وليسوا مرشحي طوائف." وهذا الباب نستلهم منه أن الجدلية السياسية في لبنان ما زالت تناقش ماهية الوطن موضحًا أهمية الحزب الافتراضي الذي يتماشى مع العصر، وبطروحات جديدة. إلا أن الافتراض يحتاج إلى إثباتات يقينية تختلف مع الواقع وتتماشى معه في آن. فهل يمكن كسر طوق السياسات التقليدية التي يحمل بصمتها التاريخ وما زال الحاضر يعاني منها؟ كتاب تاريخي تم تقديمه بموضوعية، ولكن ضمن نقاط محددة تحتاج إلى توسيع وإلى إضاءات أخرى في كتاب يتبع. لأن القارئ يسأل نفسه كيف يمكن تطبيق ذلك في ظل الأوضاع المتردية في لبنان والخارج حيث يتأثر لبنان بالدول العربية المجاورة شاء أم أبى، وحتى تلك التي تؤثر على قراراته. فالعودة إلى الأسس هي السبيل إلى تحقيق الحلم، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه عند نهاية الخاتمة: ألا يجب تأهيل القواعد الشعبية للانطلاق منها بثبات نحو تحقيق الحلم الذي يبدأ بالإحساس بقوة الانتماء الوطني ولا ينتهي عند الحلم اللبناني والواقع الحديث الذي يتماشى مع العصر؟ وهل ما تحمله ريشة الفنان "شوقي شمعون" التي رسمت صورة الغلاف هي بمثابة رؤية قادمة لحلم حديث الرؤية وعبر مساحات بيضاء ذات انعكاسات توحي بالماضي والحاضر والمستقبل؟ للبنان الحلم في العصر الحديث؟ في قراءة ثانية للكتاب بعد سنوات ثلاثة مضت أي 2018 وجدت نفسي أكتب لا شعوريا عنه مرة أخرى في إطار كتاب "الحلم اللبناني" للمؤلف "رمزي الحافظ"، يبرز سعي المؤلف إلى كشف العوامل التي شكلت التاريخ اللبناني وكيفية تفاعلها مع أحلام وطموحات الشعب اللبناني. ، حيث ينسج خلفيات الأحداث ويبرز القوى المتصارعة بشكل دقيق، يتناول "رمزي الحافظ" السياقات التاريخية والسياسية التي صنعت المشهد اللبناني. تجسد السطور الأولى من "الحلم اللبناني" خلفية معقدة لا تقتصر على الأحداث السياسية فحسب، بل تمتد لتشمل تأثيرات القوى الخارجية والمحلية، وهو ما يعكس أسلوب الحافظ في تقديم الأحداث التاريخية من زوايا متعددة. فعندما يتناول الحافظ الصراعات الداخلية اللبنانية، فهو لا يقتصر على عرضها كأزمات داخلية فحسب، بل يتعمق في كيفية تأثر لبنان بصراعات القوى الكبرى ، فإن السرد التاريخي لا يكون مكتملًا دون تحليل تأثيرات القوى العظمى على الدول الصغيرة، وهو ما يعكسه الحافظ في تحليله للأوضاع اللبنانية. يستعرض "رمزي الحافظ" كيف أن لبنان، كدولة، واجهت تحديات كبيرة في محاولتها تحقيق الاستقرار. بالأسلوب الذي يميز الحافظ في هذا الكتاب، الذي يربط الأحداث السياسية بالأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، يسعى الحافظ إلى تقديم صورة شاملة للوضع اللبناني. يسلط الضوء على كيفية تشكل الصيغة اللبنانية وتحدياتها، مستعرضًا دور النخب السياسية والأيديولوجيات المتباينة. من خلال دراسة التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية، يعكس الحافظ التفاعل بين الأحلام السياسية والتحديات الواقعية، مما يبرز ديناميكيات التغيير والتأثير المتبادل بين الحلم والسياسة. يسبر "الحلم اللبناني" أغوار الصراعات العميقة التي أثرت على تطور لبنان. يتناول الحافظ كيف أن الصراعات الداخلية والخارجية قد أدت إلى تشكيل تاريخ لبنان المعاصر، مُشيرًا إلى الدور الذي لعبته القوى الخارجية في تشكيل السياسة اللبنانية. من خلال ربط الأحداث التاريخية بالواقع السياسي الحالي، يظهر الحافظ التأثير المستمر لهذه الصراعات على الأحلام اللبنانية والأهداف الوطنية. يوفر "الحلم اللبناني" تحليلًا مفصلًا للمثالية السياسية التي تتناقض مع الواقع اللبناني. يتناول الحافظ كيفية تطور الشعارات السياسية من كونها مثالية إلى التماس مع الواقع السياسي الصعب. يتوازى هذا مع أسلوب تيم واينر في تناول الفرق بين الأيديولوجيا والتطبيق، حيث يقدم الحافظ دراسة متعمقة حول كيف أن الطموحات السياسية قد تصطدم بالحقائق العملية، مما يؤدي إلى تغييرات تدريجية في السياسات والأهداف. يناقش "رمزي الحافظ" كيفية التعامل مع الصراعات السياسية والاجتماعية من خلال استراتيجيات التسوية. وبأسلوب يشابه تحليل واينر، يستعرض الحافظ كيفية محاولة تسوية النزاعات الداخلية من خلال صيغ سياسية جديدة. يظهر كيف أن التسويات قد تكون ضرورية لتحقيق الاستقرار، لكنها قد تأتي على حساب المثالية. يسلط الضوء على كيف أن التعديلات في السياسات قد تكون جزءًا من عملية طويلة ومعقدة تهدف إلى تحقيق الاستقرار وإعادة بناء الثقة بين مختلف الأطراف. يربط الأحداث العالمية بوقائع محلية ، وهو ما يفعله "الحلم اللبناني". يتناول الحافظ التأثيرات العالمية التي شكلت الواقع اللبناني، مشيرًا إلى كيف أن الأحداث الكبرى مثل الحروب العالمية والسياسات الاستعمارية قد أثرت على لبنان. من خلال تحليل السياقات العالمية، يظهر الحافظ كيف أن لبنان ليس جزيرة منعزلة، بل جزء من شبكة معقدة من القوى العالمية التي تؤثر على طموحات وأحلام اللبنانيين. ينتهي "الحلم اللبناني" ببحث في الرؤى المستقبلية وكيفية تحقيق الأحلام اللبنانية. يعكس هذا النهج أسلوب الحافظ في تقديم التوقعات والتحليلات المستقبلية بناءً على الأحداث التاريخية والسياقات الحالية. فيقدم الحافظ رؤية مستقبلية مستندة إلى تحليل دقيق للاتجاهات الحالية والتحديات المقبلة، موضحًا كيف يمكن للبنان أن يتجاوز عقباته ويحقق أهدافه الوطنية. يقدم "رمزي الحافظ" تحليلًا شاملاً يعكس فهمًا عميقًا للتاريخ والسياسة اللبنانية. من خلال دراسة التفصيلية للأحداث التاريخية والسياسية، يعكس الكتاب تعقيد الواقع اللبناني ويقدم رؤى حول كيفية تحقيق الحلم اللبناني. يجسد الكتاب قدرة الحافظ على تقديم تحليل دقيق ومعمق يربط بين الأحلام والطموحات والواقع السياسي، مما يجعله إضافة قيمة إلى الأدبيات التاريخية والسياسية حول لبنان. dohamol67@gmail.com
×
الباحث والكاتب رمزي الحافظ
مؤسس شركة InfoPro، وهي شركة أبحاث اجتماعية واقتصادية، واستشارات أعمال، واستطلاعات رأي. تنشر الشركة مجلة Lebanon Opportunities ودوريات ومواقع معلوماتية أخرى. تجري الشركة دراسات للمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية والشركات المتعددة الجنسيات والمحلية والإقليمية والقطاع العام. نشر مئات المقالات عن اقتصادات لبنان والعالم العربي، وهو ضيف في البرامج الحوارية والمؤتمرات. وهو مؤلف ومحرر العديد من الكتب، بما في ذلك "الحلم اللبناني"، والتأثير الاقتصادي للأزمة السورية على لبنان، و"مخطط الحقوق الاقتصادية"، و"دليل النفط والغاز"، و"دليل رواد الأعمال"، و"دليل الأعمال الخضراء"، وغيرها. ناشر مجلة Gallery المتخصصة بالفن التشكيلي في لبنان، ويقتني مجموعة من الاعمال لفنانين لبنانيين وعرب. حاصل على البكالوريوس والماجستير في الهندسة الصناعية، وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة ويسكونسن في ماديسون.
«
29
30
31
32
33
»